منذ أيّام قليلة، قرّر القيمون على الدولة اللبنانية، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، خلال “قعدة” جمعتهما في عين التينة، فصل لبنان عن العالم وتحديد توقيت خاص به مفصّل على قياس مطلب الرئيس بري في شهر رمضان المبارك. فتقرر إرجاء الانتقال الى التوقيت الصيفي من ليل السبت الأحد 25 – 26 آذار الجاري. فقامت القيامة ولم تقعد في البلاد، بما ان للخطوة هذه تداعيات كارثية على حركة الملاحة وعلى مَن يعملون من لبنان مع دول اخرى، وعلى نظام عمل المواقع الالكترونية وانظمة الهاتف الخلوي والكومبيوترات، اضافة الى كونها مخالفة للقوانين المرعية الاجراء، ولم تصدر عن مجلس الوزراء مجتمعا… كما استغلّ البعض ما فعله بري وميقاتي، ليلعبوا على الوتر الطائفي في البلاد ويؤججوا النعرات على اعتبار أنّ “المسلمين باتوا يديرون لبنان على هواهم من دون استشارة المسيحيين”.
وبعد ان تيقّن ميقاتي بأن ما فعله “كبير” بنتائجه العملية والتقنية، وبأن لا مبرر أو مسوغات قانونية له، وبعد أن تأكد أنّ حتى القيادات السنية لم تر فيه منفعة واعتبرته خطوة غير دستورية، ما يعني ان الاعتراض على القرار لم يأت مِن منطلقات طائفية… جمع ميقاتي مجلس الوزراء الاثنين وتراجع عن قراره وتمت العودة منتصف ليل الاربعاء الخميس، الى التوقيت الصيفي.
في كلمته اثر مجلس الوزراء، رمى ميقاتي مسؤولية ما حدث على الشغور الرئاسي، داعيا النواب الى القيام بمهامهم وانتخاب رئيس للجمهورية كي يعود الانتظام الى البلاد، علما ان لا علاقة مباشرة بين الشغور من جهة، وقرار بري – ميقاتي، من جهة اخرى، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
لكن اذا سلّمنا جدلا ان الفراغ كان السبب خلف سقطة التوقيت.. ما سبب السقطة الفضائحية الثانية المتمثلة في ملف توسعة المطار؟! هلّل رئيس الحكومة لاطلاق المشروع هذا منذ نحو أسبوعين وباركه من السراي، شأنه شأن وزير الاشغال علي حمية (المحسوب على الحزب) الذي عدّد منافعه… لكن سرعان ما فاحت روائح صفقات ومخالفات من عقد التلزيم الذي تصل قيمته إلى 147 مليون دولار بين الحكومة اللبنانية وشركتي LAT الدولية وشركة DAA الإيرلندية لبناء مبنى “المسافرين 2″، وعلى مدى 25 عاماً، وقد تبين انه أجري من دون مناقصات وقد أبرم العقد بالتراضي من دون المرور بهيئة الشراء العام…
وبعد أن أضاء الاعلام على هذه الفضيحة، وتحرّكت القوى السياسية المعارضة في مجلس النواب، مِن القوات اللبنانية الى الكتائب وصولًا إلى التغييريين، وقد انتقدوا “التهريبة” ودُعيت لجنة الادارة العدل الى مناقشتها الاسبوع المقبل ولجنة الاشغال اليوم، قرر الوزير حميه قبل الظهر، التراجعَ عن المشروع، فقال: على أثر الجدل القانوني الحاصل حول إنشاء مبنى جديد في المطار وبالرغم من أهمية المشروع وبناءً على طلب الحزب الجهة التي اتشرف بتمثيلها في الحكومة اعلن بكل شجاعة عدم السير بالعقد وكأنه غير موجود.
للمرة الثانية في غضون ايام قليلة اذا، يُدخل أهل المنظومة البلاد في أنفاق وحُفر هي في غنى عنها. وأداؤهم هذا، إن دل على شيء، فعلى مدى اعتباطيتهم والعشوائية في إدارة الدولة، وقد ساروا على النهج المدمّر هذا منذ عقود فأوصلوا لبنان الى الهلاك والانهيار التام.. غير ان زمن غياب المساءلة وشريعة “كل من ايدو إلو” الذي ساد الحقبة الماضية، انتهى، خصوصًا بعد 17 تشرين. وعليه، لا خلاص إلّا برحيل أصحاب هذا المنطق الملتوي عن الحكم ليرتاح لبنان، تختم المصادر.