سمير جعجع في فرنسا.. لمستقبل لبنان
“سمير جعجع مستقبل لبنان”، بهذه الكلمات الهادفة اختصرت الكاتبة والصحافية اللبنانية ـ الفرنسية مايا خضرا، كتابها المؤلف من 98 صفحة، والذي يتضمن مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. الكتاب ليس تقليدياً في صياغته، هو مقابلات مفصلة استغرقت ساعات طويلة، عن لبنان والنظام كما الأفكار الفلسفية لجعجع، قسم كبير منها ينشر للمرة الأولى.
أهمية الكتاب الذي أعدته وكتبته وترجمته خضرا، والصادر عن دار النشر Editions du Bien commun الفرنسية، يكمن في أنه يحمل رؤية جعجع المستقبلية للبنان، ومدى ارتباط تفكيره السياسي بقناعاته الفلسفية ومصالحته مع ذاته. فالكاتبة التي أمضت أكثر من سنتين من العمل، خرجت بانطباعات وقناعات “معلومة ـ مجهولة”، وثّقتها في كتابها الذي صدر باللغة الفرنسية، على أن تتم ترجمته في وقت لاحق الى اللغة العربية.
قُسّم الكتاب الى ستة فصول تتناول المواضع التالية:
رجل الإيمان والعقل
الخروج من السجن والنجاة من محاولة اغتيال
النظام الطائفي في لبنان
رؤية سمير جعجع للصراعات في الشرق الأوسط
الحلول للبنان مستقر
بين الفلسفة والسياسة، وجهات نظر متقاطعة بين النائب عن الحزب الجمهوري فرانسوا كزافييه بيلامي، الذي يعتبر واحداً من ألمع رجال السياسة الفرنسيين، وسمير جعجع، تمحورت حول التحديات التي يتعين مواجهتها، ليس فقط في لبنان، إنما أيضاً في فرنسا وأوروبا.
اليوم في 24 تشرين الثاني، يُطلق الكتاب وتبدأ اللقاءات والحوارات والنقاشات المتعلقة به في فرنسا، أما الموعد في لبنان فلن يكون بعيداً، فالتحضيرات لإطلاقه محلياً بدأت على أن يكتمل المشهد في كانون الثاني من العام المقبل.
“جمعتني برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع العديد من المقابلات الصحافية التي نشرت في الإعلام الفرنسي المكتوب منذ العام 2018، ومع الوقت توطدت الثقة بيننا. في العام 2021، طرحت على جعجع فكرة توضيح الالتباس في نظرة الرأي العام الفرنسي المتعلقة بالملف اللبناني التي غالباً ما تكون تبسيطية، فيما حقيقة الأمور ليست كذلك. تجاوب مع اقتراحي، لأنه هو أيضاً، كان مقتنعاً بضرورة أن يعلم الغرب أين تكمن المشكلة اللبنانية، على أن يتم إيصال هذه الرسالة بطريقة تحليلية وواضحة”، تقول خضرا.
شكّل العمل مع سمير جعجع تحدياً كبيراً بالنسبة للكاتبة التي راحت تجري المقابلات مع رئيس “القوات” في كل مرة كانت تزور فيها لبنان، بهدف إيصال زبدة الأفكار بطريقة شيقّة وغير مملة، وقد تمكنت خضرا من صياغة هذا “التوازن ـ المُدوزن”: رسالة بسيطة وعميقة في الوقت ذاته. اختيار العنوان بالنسبة إليها أتى بديهياً، فالناشر الفرنسيTristan De Carne الذي يدير Edition Tequi المتواجدة في فرنسا منذ العام 1868، لعب الدور الأبرز في صقل العنوان، على أساس فكرتين: “جعجع هو مستقبل لبنان، ونهجه يجسد مستقبل لبنان”.
تشرح خضرا لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أنه بالنسبة لجعجع، “لا رؤية للمستقبل إذا لم نتمكن من الارتكاز على ماضينا والبقاء أوفياء لنضالنا”، مشددة على أن جعجع ليس شخصية آنية، إنما جزء من حركة تاريخية ومن سلسلة شخصيات موارنة تعاقبوا على لبنان وصمدوا بوجه كل الاحتلالات، وبالتالي هو جزء من هذا التاريخ، يكمل مسيرة نضال الأجداد في بناء الدولة والمحافظة على الوجود الحر.
“لبنان ليس بلداً ميؤساً منه بنظر جعجع، على الرغم من كل ما يدور حولنا، وهو مطمئن الى استحالة هزمه، لكن مسؤولية اللبنانيين كبيرة بصناعة مستقبله”، تشير خضرا، التي تتابع: “أجاب جعجع بطريقة مفصلة وعلمية عن الأسئلة التي تدور في أذهان اللبنانيين عن المستقبل القريب والمتوسط، متحدثاً عن الآفاق الكفيلة بإخراجنا من الأزمات التي نحن فيها”.
تغوص الكاتبة في البعد الآخر من شخصية الرجل ببعدها الفلسفي، فهو تحدث في الكتاب عن نظرته الفلسفية والإيمانية في فصل شامل تحت عنوان “رجل إيمان ورجل عقل”. “هو الخبير بصقل التوازن بين العقل والإيمان، بعدما نجح بالوصول الى سلام داخلي، يفقده معظم رجال السياسة في العالم، يشرح لنا السبيل الى ذلك، ليس فقط من خلال سنوات الاعتقال والقراءات والتأملات التي أدخل نفسه بها، إنما يستند أيضاً الى تجربة الحرب اللبنانية، يوم دافع عن القضية بقناعة وأخلاق واحترام”، على ما تؤكد خضرا التي تروي أن “جعجع قادر بسهولة على الغوص بأعماق نفسه والسفر الى ذاته، وهو متصالح مع ذاته ومع الغير”، وإذ تتوقف عند المراجع الإيمانية والفلسفية في حياة رئيس “القوات”، من Hegel وTeilhard De Chardin الى Sainte Elisabeth De La Trinité وSt Jean De La Croix، تشير الى أن رؤية رئيس “القوات” للعالم ترتكز على فكرة الرجاء في المسيحية، لأن بنظره، العالم يتقدم ولا يتراجع على الرغم من كل شيء.
تضيف: “اكتشفت عند جعجع نوعاً من القوة التي تستمد وحيها من البساطة بالإيمان. فالحكيم لا يفلسف الأمور على الرغم من أنه فيلسوف، ولا يعقد الأمور على الرغم من رؤيته العميقة للروح البشرية واللاهوت والفلسفة، وما رأيته فيه هو صفة الحكمة أو la sagesse. حاورت في مسيرتي المهنية العديد من رجال السياسة والدين والباحثين، لكن سمير جعجع هو الوحيد الذي لا يتخبط بالكلام، ويعتمد البديهية في مقاربته للأمور، أضف الى ذلك تمسكه بقناعاته ومبادئه وخياراته ووفائه لقضيته، ما يمكنه من مواجهة الصعوبات بكثير من الهدوء”.
اختارت خضرا مكتبة Elbe في Boulevard Saint Germain، لموقع البولفار الجغرافي في وسط باريس، ولكون المكتبة قبلة الكتاب والصحافيين. وإذ تصر على فكرة أن يكون الكتاب صادراً أولاً باللغة الفرنسية، لتصحيح المعلومات المغلوطة المتعلقة بالحرب اللبنانية والقوات اللبنانية لدى الرأي العام الفرنسي، تجزم بأنه سيكون متوفراً باللغة العربية بعد فترة قصيرة.