سيناريو يوم القيامة في بلد ينهار
لا عدو للبنان يمكن ويستطيع أن يؤذيه كما فعلت ولا تزال المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة. ولا حاجة الى تخطيط أميركي وغير أميركي لإحداث فوضى في لبنان، لأننا نعيش فوضى مشغولة باليد المحلية. وإذا لم تكن الإنهيارات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية هي البنية التحتية للفوضى، فكيف تكون الفوضى؟ وإذا كانت المسؤولية المباشرة عن صنع الإنهيارات تقع على الحاكمين والنافذين، فإن الجانب الآخر من المسؤولية يتحمله المتفرجون عليها داخلياً وخارجياً، والحالمون بثورة من دون نظرية ثورية ومنظمة ثورية، والمودعون الذين يقبلون الإذلال أمام المصارف بصمت، والمستسلمون لغطرسة القوة المسلحة، والناخبون الذين يعيدون إنتخاب الفاسدين واللصوص ومرتكبي الجرائم الكبيرة الممنوعة محاسبتهم.
ذلك أنه لا أولوية تتقدم على العمل للخروج من هاوية الأزمات العميقة، والبدء بإنتخاب رئيس يقود سياسة الخروج، لا رئيس لتعميق الهاوية. لكن محور التعطيل يصر على تعقيد المهمة الصعبة بحيث تصبح مهمة مستحيلة. وما يساعده ليس فقط عجز قوى التسهيل عن توحيد المواقف بل أيضاً واقع الخلل في الموازين الداخلية والخارجية. ففي الداخل موازين قوى مختلة: قوة فائضة شيعية، تشرذم وشبه غياب الوزن السني، إنقسام مسيحي حاد، وقلق درزي كبير. وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي خلل في موازين المصالح والحسابات، لا في القوى، حيال الوضع اللبناني. ومن هنا تعاظم التحدي أمام الخائفين على لبنان من إكتمال الإنهيار. ومن هنا أيضاً تفاهة التحايل على الشغور الرئاسي، بدل ملئه، والإصرار على إجراءات ترقيعية لتبدو كأنها البديل من الإمساك المباشر بالمشكلة.
ولا جدوى من التركيز على حكومة تصريف الأعمال. فهي قليلة الحيلة والصلاحيات، كثيرة المصالح، متعددة المرجعيات، ومحكومة بقوة النافذين. ولا فائدة من المواعظ التي تدعو المجلس النيابي الى أن يكون مجلس نواب الشعب، لا إقطاعاً لرئيسه. فالكل يتطلع الى ما يدور خارج الحكومة والبرلمان من جانب القوة الممسكة بهما والمعطلة لملء الشغور الرئاسي إلا بمن تريده وتدرك أنها لم تعد تستطيع فرضه كما فعلت في السابق، ثم تعلن أنه “لو اجتمعت كل دول العالم لما تمكنت من تغيير موقفها”.
وما يتصدر الأسئلة والتحليلات والتوقعات هو هدف السيد حسن نصرالله من إختيار هذا الوقت الحرج والصعب للتهديد بقلب الطاولة على الداخل والخارج. فليس أمراً قليل الدلالات أخذ بلد ينهار الى معارك أكبر منه بكثير: مواجهة مع أميركا، إحداث فوضى في المنطقة رداً على الفوضى في لبنان، التلويح لـ”جماعة أميركا” أي المعارضين بـ”خسارة كل شيء”، وحرب مع إسرائيل من دون إعتبار لإتفاق ترسيم الحدود البحرية معها. ولا أحد يجهل الى ماذا يقودنا ذلك، ومن الجهة المستفيدة من التلويح بسيناريو يوم القيامة.
و”ما أكثر العبر وأقل الإعتبار”، كما قال الإمام علي.