صباح الخير، في الرابع من آب.

ربما تتذكرون وجهي هذا الذي انتشر كثيراً في الصحف، بعد انفجار مرفأ بيروت. أطمئنكم أن جراحه قد التأمت، وأنه قد عاد كما كان في المرايا. وأطمئنكم أن الزجاج الغزير الذي تهاطل يومها كالمطر، ما ظل في الشوارع منه شيء. ولقد علمت أن معظمه تحول إلى أباريق ماء وأواني زينة. غير أني لا أعرف إن كانوا قد أزالوا عنه دماء وجهي، أم أنها ظلت عالقة فيه.

كما أطمئنكم أن كثيراً من البيوت التي تحطمت وتدمرت قد عولجت أجزاؤها، فعاد بعضها كما كان، وظل بعضها الآخر يتكئ على ما ظل من جراحه التي لم تلتئم. وأطمئنكم أن الحياة عادت إلى المناطق التي بلغها أذى الانفجار كما كانت. غير أني ما زلت إلى اليوم أفتش عن جثّة أبي وجثّة أمي. وما زالت جراحهما تنزف في روحي وعليها. وما زلت أستيقظ من نومي على ذلك الصوت وذلك المشهد، فأنهار من شدة الرعب والخوف والفقد.

مررت بأكثر من شرطي في المكان، وسألته عنهما، فأشاح بوجهه أحدهم، وعبس بوجهي أحدهم الآخر، وغضب مني ثالث وطردني من المكان. قصدت منزل قاضٍ كان يسكن في الجوار، طرقت بابه فلم يفتح. اعتقدت أنه قد مات في الانفجار كأهلي، لكنهم أخبروني أنه بخير، لكنه منشغل بملفات تعدي بائعي بسطات الخضار والكتب على الرصيف في أكثر من مكان في المدينة.

سألت معظم الذين قابلتهم في الطريق عن التحقيق، فناولني بعضهم منديلاً، وطلب مني أن أمسح وجهي مما تبقى عليه من دماء. وماذا عن ذاكرتي وما ظل فيها من دماء سالت؟! ماذا عن وجداني الذي مزقته الشظايا التي مزقت أجساد الكثيرين كأهلي؟! من يملك منكم خبراً عن أهلي أو عن التحقيق، رجاء فليطمئنّي. فلقد كبرت بضع سنوات، غير أني ما زلت على عمري الذي أحدثه ذلك الوجع. فهل من مجيب؟

زر الذهاب إلى الأعلى