صعوبات تعترض توسعة الإستفادة من التعميم 158
منذ حزيران 2021، بدأ تطبيق التعميم 158 الذي أتاح لحوالى 181 ألف مودع لغاية نيسان 2023، سحب 800 دولار شهرياً، مقتطعاً منها نسبة معيّنة حيث سدّد نصفها بالدولار النقدي ونصفها الآخر بالليرة اللبنانية على سعر صرف 15 ألف ليرة، الى حين اصدر حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، بعد عامين، تعميماً يلغي بموجبه الـ»هيركات» على تلك السحوبات التي اصبحت تقتصر على سداد 400 دولار نقداً فقط. علما ان 87 ألفاً و623 مودعاً قد سحبوا كامل وديعتهم بموجب هذا التعميم لغاية نيسان الماضي، مما سمح بتسديد حوالى مليار و778 مليون دولار من اجمالي الودائع منها 889 مليوناً سددت بالدولار النقدي، وكان لا يزال حوالى 93 ألف مودع آخر يستفيد من مفاعيله في أيار الماضي برصيد اجمالي لحساباتهم يبلغ حوالى مليار دولار.
ثم صدر التعميم 682 في تشرين الثاني الماضي، ليسمح للحسابات التي تم إقفالها أو نقلها من مصرف إلى آخر بعد تاريخ 31 تشرين الأول 2019، بالاستفادة أيضاً من أحكام التعميم الرقم 158، لتتسع بذلك شريحة المستفيدين منه مجدداً بعد ان حصل حوالى نسبة كبيرة من شريحة المودعين المؤهيلن الاستفادة من التعميم 158 قبل تعديله، على كامل وديعتهم وتقلّصت بالتالي الكلفة الشهرية لتمويل مفاعيل هذا التعميم بالنسبة للمصارف ومصرف لبنان.
الكلفة قليلة
إذا كانت كلفة تمويل مفاعيل التعميم 158 قد بلغت 889 مليون دولار نقداً خلال عامين، فان كلفة ضمّ شريحة اضافية للاستفادة منه حالياً لن تكون كبيرة على عاتق المصارف، خصوصاً ان مصرف لبنان أخذ على عاتقه تمويل نصف تلك السيولة النقدية للمصارف. وبالتالي، ما على البنوك سوى تأمين حوالى 444 مليون دولار خلال عامين او 222 سنوياً إذا فرضنا ان التعميم 682 سيضيف حوالى 87 ألف مودع آخر. وهذا مستبعد لان الرقم اقل بكثير وقد لا تتجاوز نسبة زيادة المستفيدين الجدد 10%.
فهل ان المصارف عاجزة فعلاً عن تأمين هذا المبلغ نقداً كما تدّعي؟ ولماذا ترفض تطبيق التعميم الجديد وتتحجّج بفقدانها للسيولة المطلوبة لتنفيذه وبعدم وضوح آلية التطبيق والاشخاص المستفيدين منه؟ وكيف تؤثر اعادة فتح الحسابات التي تم اقفالها او نقلها الى مصرف آخر على البنوك؟
إعتراضات مصرفية
في هذا السياق، أوضحت مصادر مصرفية ان مصارف اعترضت على هذا التعميم لانها تفاجأت به ولم يعلمها مصرف لبنان قبل صدوره بنيّته توسيع شريحة المستفيدين من التعميم 158 لكي تتحضّر له وتقوم بمراجعة وتقدير عدد الحسابات التي تم اقفالها او نقلها الى مصرف آخر، خصوصاً ان «هناك صعوبة على الصعيد التقني لتتبّع جديد للحسابات التي تم اقفالها. وقد حاولت بعض البنوك اجراء دراسة تقديرية لعدد تلك الحسابات وحجمها المالي، إلا انها لم تفلح بسبب عدم درايتها بمصير الاموال بعد اقفال الحساب المصرفي لديها، أي ان بعض العملاء اقفلوا حساباتهم ولم ينقلوا الاموال الى بنك آخر بل باعوها شيكاً مصرفياً مقابل سيولة نقدية. وبالتالي لا يمكن تقدير حجم الودائع التي ستعود الى فتح حساباتها مجدداً في المصارف، وهو الشرط الرئيس للاستفادة من التعميم 682، أي يكون الحساب الذي أقفل بالدولار قد انتقل الى مصرف آخر.
وفيما أكد مصدر مصرفي آخر ان آلية التطبيق غير واضحة، والمصارف بانتظار صدورها من قبل مصرف لبنان لبدء التطبيق، اشار الى ان التعميم لم يحدد على من تقع مسؤولية تسديد الـ300 دولار شهرياً، على المصرف التي خرجت منه الاموال ام على المصرف الذي انتقلت اليه، إلا انه من المنطق ان تقع على المصرف الاول التي خرجت منه الاموال. وهو بالتالي المسؤول عن ضمّ هذه الحسابات الى المستفيدين من التعميم 158. معتبراً ان عدد تلك الحسابات ليس هائلاً لدرجة تمنع المصارف من تأمين السيولة النقدية اللازمة لتطبيق مفاعيل التعميم، إلا ان الصعوبة تقنية لجهة استعادة تلك الحسابات، ومالية، لجهة تحمّل اعباء تسديد سيولة نقدية بالـFresh لم تكن في الحسبان، بالاضافة الى عدم رغبة أي من البنوك، في فتح حسابات من جديد باللولار بعدما كانت تخلّصت منها، مما سيعيد رفع حجم ودائعها باللولار ويشكل ضغطاً على وضع ميزانياتها وحجم مطلوباتها.
من بنك لآخر
ولفت في المقابل، الى ان المصارف التي تلقت اموال الحسابات المقفلة لدى مصارف أخرى، ستستفيد اليوم من اقفالها واعفائها من تسديد مفاعيل التعميم 158 لشريحة اضافية. إلا انها في المقابل، ستتلقى حسابات سبق ان خرجت منها أيضاً الى مصارف أخرى، وبالتالي فان الاستحقاق سيطال الجميع ولكن بشكل متفاوت، علماً ان انزعاج المصارف لا يتعلّق بكلفة التمويل الزهيدة كما تدّعي، بل باستعادة حسابات وودائع غير «فريش» ستعكّر عليها مسار تجميل ميزانياتها!
من جهته، شدد أحد كبار المصرفيين ان عدم تنفيذ مفاعيل التعميم 682 يعود أوّلاً لعدم وجود سيولة نقدية لدى بعض المصارف، ولو حتّى كانت الكلفة تبلغ 400 مليون دولار لمدة عامين، لان موجوداتها لدى البنوك المراسلة لا توازي نصف هذه الكلفة!
مع الاشارة الى انه قبل صدور التعميم الاخير الذي يوسّع شريحة المستفيدين وحتّى بعده، كانت البنوك ولا تزال ترفض الطلبات الجديدة للاستفادة من التعميم 158 بمعاييره القديمة والجديدة. وتحاول قدر المستطاع التخلّص منها بحجج مختلفة، باستثناءات قليلة مرتبطة بتدخلات سياسية او ادارية لقبول طلبات بعض العملاء.
أما السبب الثاني لرفض البعض الالتزام بالتعميم 682، هو عدم التزام مصرف لبنان بتسديد حصّته من كلفة تمويل مفاعيل التعميم 158 أو تأخره بشكل كبير في سدادها، وهو الامر الذي ترفضه البنوك بذريعة انها غير قادرة على تحمّل كامل الكلفة الى حين سداد البنك المركزي حصّته (نصف الكلفة).
كما ان السبب الثالث وفقاً للمصرفيّ، هو عدم رغبة المصارف باستعادة الحسابات التي تم اقفالها قبل عامين والتي تخلّص منها، وبالتالي لم تعد تقع على عاتقه لتحمّل مسؤوليتها بالاضافة الى الآلية المركبة لتتبع تلك الحسابات وتاريخ اقفالها.