طرابلس ولبنان على فوّهة تداعيات “زورق الموت”
وضعت فاجعة غرق الزورق غير الشرعي قبالة طرابلس من خلال استفحال ظاهرة التجارة بالفقراء واستغلالهم على أيدي عصابات تهريب الفقراء عاصمة الشمال وعبرها لبنان بأسره أمام هزّة خطيرة برزت تداعياتها الأمنية والاجتماعية والسياسية بسرعة منذرة بآثار على مجمل الواقع الداخلي. ذلك أنّ أخطر ما تكشف عنه هذا الحادث مع أنّه ليس الأول من نوعه أنّه أدّى إلى وضع فئات من أبناء طرابلس في مواجهة خطيرة فورية مع الجيش اللبناني عبر الشائعات التي بُثِّت عن تسبب مطاردته للزورق بارتطام أدّى إلى غرق الزورق، في حين أنّ الوقائع التي سارع الجيش الى كشفها أثبتت أنّ قبطان الزروق تسبّب بالمأساة لدى محاولاته الهروب بحمولة بشرية تفوق قدرة الزروق على الاستيعاب بعشرة أضعاف، وتسبّب بنفسه بارتطام زورقه بالخافرة العسكرية التي طلبت منه العودة لتجنب كارثة الغرق.
هذا التطوّر الخطير في عمليات تهريب سفن وزوارق الموت وضع لبنان أمام واقع شديد التوتّر، خصوصاً بعدما لاحت معالم توظيف سياسي وانتخابي يُخشى أن يتمادى في التحريض على اضطرابات لا تحتمل طرابلس ولا أي منطقة الشمال ولا أي منطقة لبنانية تداعياتها الخطيرة وسط الظروف الراهنة المأسوية اجتماعياً من جهة، واقتراب العد العكسي للانتخابات النيابية من مرحلته الحاسمة من جهة أخرى إلى درجة أنّ أوساطاً مراقبة لم تُخفِ قلقها الفوري من تداعيات لهذا الحادث على الانتخابات، ما لم يجرِ احتواء المناخ الشديد التوتر الذي ساد طرابلس أمس بسرعة سياسيّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً على قاعدة الوعي العام لخطورة الانزلاق الى مواجهة بين فئات غاضبة من المواطنين والجيش يستخدمها أصحاب المآرب في ضرب الاستقرار والسعي الى نسف الانتخابات.
وفيما عمّت موجة الاستنكارات والأسى كل الفئات والجهات السياسية، وفيما يشهد لبنان اليوم يوم حداد رسمي على ضحايا الحادث، أثيرت تساؤلات خطيرة في شأن التصعيد الأمني الذي تفاقم بعد ظهر أمس في طرابلس، الأمر الذي سيحتم معالجات سريعة جدّاً لاحتواء الوضع وعدم ترك الجيش وحده في مواجهة الانفلات الأمني من جهة، والانفعالات المتفجرة من جهة أخرى بداعي توظيف الحادث لمآرب خطيرة. ولفتت في ردود الفعل السياسية، دعوة الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله ليلاً إلى “إجراء تحقيق سريع وتعاون الجميع من أجل منع أي محاولة لأيّ كان بأخذ البلد للفتنة”.
وكان الجيش عثر أمس على 6 جثث في البحر قبالة جزيرة الفنار – رمتين في طرابلس، ويُرجّح أنها تعود لركاب الزورق الغارق الذين كان يجري البحث عنهم. وبذلك يرتفع عدد الضحايا إلى 14 بينهم أطفال. وأفادت معلومات “النهار” أنّ ثلاثة مهرّبين اتفقوا مع مجموعات الركاب، واحد منهم موقوف ويجري البحث عن الآخرَيْن، ما قد يُسهّل الإحصاء النهائي للعدد الذي كان موجوداً على متن المركب.
وفي انتظار الحصيلة النهائية للضحايا في “رحلة الموت” التي كانت متجهة من شواطئ طرابلس نحو السواحل الإيطالية، استمرت عمليات الاغاثة والبحث عن مفقودين. وقد أعلن، في وقت سابق، رسمياً عن وفاة طفلة وإنقاذ 48 شخصاً، في حين جرى التداول بلائحة أسماء من 75 شخصاً كانوا على متن الزورق. وتحدثت معلومات عن عدد مخيف من المفقودين يناهز الأربعين من الجنسيتين اللبنانية والفلسطينية. وانعكست رواية الناجين عن اصطدام زورق للجيش بزورق “رحلة الموت” أجواء متشنجة وتوتراً في غير مكان من أحزمة البؤس الطرابلسية حيث جرى إطلاق نار واحتكاك مع الجيش الذي يعمل على ضبط الوضع وإكمال عمليات البحث.
ووقع إشكال بين عناصر من الجيش والأهالي عند مرفأ طرابلس، بعدما حاول الأهالي منع وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار موفداً من الرئيس نجيب ميقاتي اكمال تصريحه الصحافي. وانهال الأهالي عليه وعلى المسؤولين بالشتائم والصراخ. وشهدت أحياء مدينة طرابلس توتراً شديداً مع بدء تشييع ضحايا مركب الموت في منطقة البقار في القبة حيث سمعت أصوات إطلاق نار كثيف غضباً وذلك وسط وصول تعزيزات جديدة للجيش اللبناني الذي رشق عناصره وآلياته بالحجارة. وقطعت الطرق بالاطارات المشتعلة في المنطقة، حيث حمل الأهالي السلطة مسؤولية غرق الزورق مرة، ومسؤولية لجوء الناس إلى الهجرة الغير شرعية والمخاطرة بحياتهم مرات.
وبإزاء ذلك، عقد قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني هيثم الضناوي مؤتمراً صحافيّاً في قاعدة بيروت البحرية أعلن فيه تفاصيل الوقائع المتعلقة بالحادث، فأوضح أنّ “صناعة المركب الذي غرق أمام سواحل طرابلس تعود إلى العام 1974، وهو صغير طوله عشرة أمتار وعرضه 3 أمتار، والحمل المسموح له هو 10 أشخاص فقط ولا وجود لوسائل أمان فيه، وبالتالي الغرق كان محتماً ولا مهرب منه”. وأشار إلى أن “قائد المركب اتخذ قراراً بتنفيذ مناورات للهروب من خفر السواحل، ممّا أدى إلى ارتطامه بالخافرة، ولدينا دلائل ملموسة على هذا الأمر، أما كلّ ما يُشاع غير ذلك لا أساس له من الصحة”. كما اعتبر أنّ “الشائعات التي تُطلق هدفها يصبّ في الإطار السياسيّ، إنّما على أرض الواقع قامت فرقنا بفعل كلّ مجهودها لإنقاذ الركاب، حتّى انّهم قاموا برمي السترات الوقائيّة لهم، ولكن لا بد من الذكر أن المركب تحمّل وزناً 15 ضعفاً مِمّا هو قادر على تحمّله”.
وختم الضناوي قائلاً: “نتحمّل مسؤولياتنا كاملة في قيادة الجيس، وإذا حصل أيّ خطأ لفظيّ نحن سنحاسب الشخص المعنيّ، ولكن على الصعيد التقني وأرض الواقع فنحن لم نقترف أيّ خطأ”.