عقوباتٌ دوليّة في طريقها إلينا؟
بإنطباع سيء غادر وفد صندوق النقد لبنان المتلهيّ رسميا وشعبيا بتقديم وتأخير الساعة وفق التوقيت الصيفي، فيما توقيت التصريح الذي أطلقه رئيس بعثة الصندوق أرنستو راميريز ريغو كفيل بإرجاعنا سنوات ضوئيّة الى الوراء، ما لم يقدم البرلمان والحكومة والمصرف المركزيّ على “اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة نقاط الضعف الهيكلية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتمهيد الطريق لتحقيق انتعاش قوي”.
صندوق النقد الذي يُعد مرجعية استثمارية للدول، أطلق رصاصة الرحمة على ما تبقى من مؤسسات داخل الدولة، فما قاله ليس بجديد على اللبنانيين المدركين أن “وضعنا بالارض” وأننا نشهد على تحلل الدولة على المستويات كافة، وأن المطلوب اصلاحات بنيوية طارئة بوجود صندوق النقد أو بغيابه وفق ما يؤكد الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ “المركزية” الذي يحذر من مسألتين تطرق اليهما تقرير صندوق النقد وهما في غاية الخطورة:
– المسألة الاولى، وفق عجاقة، تتعلق بالاستثمار في لبنان، فموقف الدول المانحة كان واضحا منذ البداية وهي ربطت أي استثمار داخلي بالاتفاق بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وبالتالي فان باب الاستثمار والمشاريع يبدأ بالتوقيع مع صندوق النقد. ويحذر عجاقة من أشهر صعبة قبل أن نصل الى أيلول، حيث نبدأ مرحلة فقدان الدولار عندها نقع بكارثة كبيرة يصعب علينا الاستمرار من بعدها.
– أما المسألة الثانية فمرتبطة بالعقوبات الاوروبية والتي ألمح اليها المسؤولون في الاتحاد الاوروبي ضد كل من يُعرقل أي حل للبنان. وقرار الاوروبيين سيعتمد بالدرجة الاولى على تقرير صندوق النقد الدولي والذي جاء كجرس إنذار غير معلن،لافتا الى أن الخطوة الاولى نحو الحل تكون بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة على أن يكون أولويتها إجراء الاصلاحات المطلوبة.
وفي اطار البحث عن حلول، تُلوح بعض القوى الى امكانية الاتجاه شرقا وتتحدث عن ضرورة أن يكون للصين الدور الابرز في لبنان. هنا يُحذر عجاقة من تسويق هذه الفكرة في ضوء الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين حول النفوذ الشرق أوسطي، لافتا في السياق الى أن واشنطن لن تترك الساحة اللبنانية للاستثمارات الصينية وهذا ما يجب أن يعلمه المسؤولون ويتجنبوا الدخول في هذا الصراع.
في المحصلة يمكن التأكيد وفق أكثر من قراءة مالية واقتصادية بأن القوى السياسية إن استمرت في سياسة شراء الوقت ستحمل تبعات خطيرة لهذه اللعبة، لاسيما وأننا أمام أشهر قليلة قبل الانهيار والوقوع بكارثة لا تُحمد عقباها، وهنا جاء تقرير صندوق النقد الدولي ليُخير الطبقة السياسية بين مشروعين: إما الذهاب فورا الى اصلاحات جوهرية تطال مؤسسات الدولة وعبر برنامج يتم الاتفاق عليه، او البقاء في دائرة المراوحة وما لهذه الخطوة من مفاعيل اقتصادية ومالية خطيرة تُمهد لسقوط الدولة.