“فلاش ميموري” مصرفي فضائحي… في مكان ما آمن!
تقديرات ديبلوماسية: الشغور سيطول وأفق "الترشيحات" مسدود!
منذ إقفال رئيس مجلس النواب نبيه بري بوابة القاعة العامة وختم صندوق الاقتراع الرئاسي بشمع “الثنائي” الأحمر حتى إشعار آخر يتيح تأمين نصاب الـ86 حضوراً وأكثرية الـ65 تصويتاً لانتخاب سليمان فرنجية، بدأ وهج الاستحقاق الرئاسي يخفت بعد إخراجه عنوةً عن مساره الدستوري الديمقراطي تحت وطأة احتدام معركة الترشيحات على جبهة موارنة 8 آذار وصولاً إلى تسعير رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل حماوة المعركة بإعلانه العصيان السياسي والرئاسي في وجه “الحزب”، فارضاً إيقاعه التعطيلي لضمان إبقاء نتيجة “التعادل السلبي” على حلبة المبارزة مع الحزب لمنع وصول فرنجية… وإجهاض احتمال مضيّه قدماً بأي تسوية رئاسية تسفر عن انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً توافقياً للجمهورية.
وأمام مشهدية المراوحة الرئاسية وتراجع الاندفاعة الداخلية والخارجية على الطريق نحو فتح كوة في جدار الشغور، أعرب مصدر ديبلوماسي معني بالشأن اللبناني عن هواجس متفاقمة جراء ارتفاع منسوب المخاوف من مستقبل الأوضاع في لبنان في ظل تلبّد الغيوم في فضاء الحلول الرئاسية، ونقل لـ”نداء الوطن” تقديرات ديبلوماسية متقاطعة بين أكثر من عاصمة عربية ودولية تتوقع بأنّ “يطول الشغور وأن تتعاظم مخاطر الانهيار على الساحة اللبنانية نتيجة انسداد الأفق أمام الترشيحات المطروحة لرئاسة الجمهورية”.
ولاحظ المصدر الديبلوماسي نفسه أنّ أجواء الخلافات اللبنانية الداخلية “تجاوزت كل السقوف التي سبق أن شهدتها الاستحقاقات الرئاسية السابقة في البلد، بحيث لم يعد التباين في المواقف يخضع لمعايير المعارضة والموالاة أو الأكثرية والأقلية إنما تمدد ليصل إلى حدود الخلاف والاختلاف في التوجهات والترشيحات بين أركان الفريق الواحد (في إشارة إلى فريق 8 آذار)، ما أدى عملياً إلى تعقيد الوضع أكثر واستعصاء عملية إنتاج أي حلول توافقية على المستوى الوطني للأزمة الرئاسية”، موضحاً أنّ جوهر الأزمة يكمن راهناً في كون “الترشيحات المطروحة والمعلنة أصبحت غير قادرة على الوصول إلى سدة الرئاسة، والخيارات البديلة لم تتضح معالمها بعد”.
وفي الغضون، يواصل “جبل الانهيار” مراكمة الأزمات فوق بعضها البعض، مالياً ومصرفياً واقتصادياً واجتماعياً وحياتياً، وبعد حرب الاستنزاف التي خاضتها المصارف لتركيع المودعين وإخضاع القضاء، قرّرت البنوك أمس مجاراة خطوة “تعليق” رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي الملاحقات الأمنية للمصارف ولجمها عن تنفيذ القرارات القضائية، بخطوة مماثلة قضت بـ”تعليق” الإضراب نزولاً عند “تمني” ميقاتي بحجة الحرص على “خدمة مصالح الموظفين في القطاعين العام والخاص لجهة قبض رواتبهم”.
غير أنّ مصادر متابعة للملف أكدت أنّ البنوك كانت بصدد فتح أبوابها نهاية الشهر لسبب أو لآخر وتتحيّن الفرصة لإعلان هذا القرار “لأنها لا تستطيع تحمل تبعات غضب مئات آلاف الموظفين إذا لم يقبضوا رواتبهم فينفجر غضبهم في وجهها على أوسع نطاق، فضلاً عن أن المصارف باتت تحقق أكبر عمولاتها في آخر كل شهر وبداية الذي يليه سواء من خدمة الرواتب أو تحويلات المغتربين أو من سداد صفقات التجار والمستوردين”.
وبناءً عليه، لم تستبعد المصادر عينها “إمكان عودة البنوك إلى الاضراب في حال عدم نزع ملف القضايا المصرفية من يد القاضية غادة عون”، إذ تعول جمعية المصارف على الفقرة الأخيرة من بيان مجلس القضاء الأعلى الذي صدر مساء أمس الأول، والتي تشير إلى أن المجلس “يؤكد أنه يعمل على تأمين شروط إنتظام العمل القضائي وحُسن سَير العدالة، وذلك وفقاً للأصول والأحكام القانونية المرعية الإجراء، والمصلحة العامة والمصلحة العليا للدولة”، خصوصاً وأنّ الجمعية رأت في ذلك اعترافاً بالخلل ووعداً ضمنياً باتخاذ خطوات ترضي المصارف تجاه عدد من القضايا المرفوعة ضدها، لأنّ كتاب ميقاتي محدود الأثر بتوجهه الى الضابطة العدلية التابعة للسلطة التنفيذية وليس القضاء، وهذا أقصى ما يستطيعه ضمن صلاحياته.
وعلى صعيد آخر، استمرت تفاعلات الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقة رجا وماريان الحويك وآخرين، مع تضارب معلومات عن أسباب الادعاء والنتائج. وعلمت “نداء الوطن” أنّ مراكز عليا في القضاء اللبناني تلقت “إشارات سلبية” تجاهها من جهات قضائية أوروبية، فاستشعرت أنها أضحت “تحت المجهر”، وبات صعباً جداً عليها ممارسة المزيد من التسويف والمماطلة في الادعاء على سلامة كما فعلت طيلة 8 أشهر سابقة، فقامت بما قامت به تحت الضغط غير المباشر.
أما في جانب النتائج ، فالرهان يبقى في استكمال عملية التسويف على ما يمكن للمنظومة المتضررة من الادعاء على سلامة أن تفعله لاحقاً، كما دأبت على فعله في جملة قضايا مثل انفجار المرفأ على سبيل المثال لا الحصر. وأكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” أن ملف رياض سلامة، إذا فُتح على مصراعيه، سيكون “قنبلة متفجرة الشظايا في كل الاتجاهات إذا ذهبت القضية إلى أبعد مدى ممكن لها، فليس سراً ان سلامة يملك الكثير من الأسرار والخبايا”.
وكشفت المصادر في هذا المجال عن معلومات مصرفية خاصة موجودة في “فلاش ميموري” (بعدة نسخ) بات موجوداً “في مكان ما آمن من هذا العالم، ويمكن استخدام معلوماته كلياً أو جزئياً عند الضرورة، إذا تبيّن فعلاً أن هناك من يريد كبش محرقة يفدي جميع المتورطين بشبهات بالمليارات”، وعددت المصادر هذه الشبهات، ومعظمها معروف ومتداول به بلا أسماء، سواءً لناحية وجود “سياسيين متورطين في تحويلات وصفقات مشبوهة وإثراء غير مشروع واستخدام نفوذ”، أو لجهة “المتورطين في العديد من عمليات الانقاذ المصرفي التي أغدق مصرف لبنان عليها من المال العام، والتسهيلات المصرفية الضخمة (لم تسدد) التي أثرت الكثيرين وما كانت لتحصل لولا تغطية مصرف لبنان والبنوك له، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المقارنات الفاضحة بين إقرارات الذمة المالية لكبار سياسيين مودعة لدى المجلس الدستوري (وهو بدوره يودعها البنك المركزي) مقارنه مع “داتا” أخرى مختلفة تماماً”، فضلاً عن” خريطة شبكات العلاقات والمصالح التي تربط سياسيين بمصرفيين وكبار تجار ومطورين عقاريين ومقاولين وشركات كبيرة في عدة قطاعات، والمعلومات عن طائرات كانت تأتي من إغتراب معيّن، وتدخل المطار محملة بـ”الكاش”، ثم كانت تجد طريقها المصرفي وغير المصرفي بتغطيات معينة، ومعلومات تفصيلية أخرى عن تحويلات حصلت منذ نهاية العام 2017 (إبان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة)، وتفاقمت في 2019 قبل 17 تشرين وبعده، وتضم أسماء يصار عند التأكد منها إلى تحديد كيفية استفادتها من معلومات داخلية”، وصولاً إلى المعلومات الفضائحية عن عمليات صرف 7.5 مليار دولار على دعم السلع، وعن خروج 13 مليار دولار مما يسمى “الحسابات الإئتمانية”، وهي بأسماء بنوك سويسرية نيابة عن عملاء لبنانيين، كما أنّ هناك في مختلف الملفات معلومات عن كيفية إخفاء أسماء نافذة مستفيدة، أو التواري وراء أفراد من العائلة او من غير العائلة”.
وأمس استرعى الانتباه إصدار مجلس الوزراء الإماراتي، قراراً وزارياً أدرج بموجبه حسن مقلد ونجليه حسن وريان وشركة “CTEX” للصيرفة على القائمة الإماراتية المعتمدة للأشخاص والكيانات والتنظيمات الداعمة للإرهاب، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الإمارات، وذلك في إطار “تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب”، ربطاً بالعقوبات الأميركية المماثلة التي كانت قد صدرت بحق مقلّد ونجليه وشركته لاتهامهم بتنفيذ عمليات مالية تصب في خانة تمويل “الحزب”.