قراءة في عودة سفراء الخليج…

أجواء إيجابية خيّمت على سماء لبنان منذ إعلان كل من المملكة العربية السعودية والكويت عودة السفراء إلى لبنان، تلتها اليمن اليوم في مؤشر بداية استعادة الثقة بلبنان واستجابة لإعلان الحكومة، التزامها وقف كل الأنشطة والممارسات والتدخلات العدوانية المسيئة للدول العربية، وتماشياً مع الجهود المبذولة لعودة لبنان لعمقه العربي.

منذ الأمس، بدأت التساؤلات عن أبعاد عودة السفراء خاصة عشية الانتخابات النيابية. ففي حين يعتبر البعض أنها عودة سياسية لشدّ العصب في الشارع السّنّي والتأكيد على عدم ترك الساحة والتخلّي عن السنّة وتشرذمهم واستغلال فريق الممانعة لملء الفراغ، خاصة بعد أن تردّد أن “الحزب” قد يتمكّن من تشكيل كتلة سنّيّة من عشرة نواب تؤيده في المجلس، يضعها البعض الآخر خطوة “ردّ جميل” لبيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومبادرة لملاقاة الحكومة في منتصف الطريق لعودة العلاقات وتفعيل المبادرة الكويتية، بينما يؤكد آخرون أنها تمّت بناء على رغبة أميركية -فرنسية. فكيف تقرأ القيادات السّنّية هذه العودة؟

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة يؤكد لـ”المركزية أهمية عودة العلاقات مع الدول الخليجية معتبراً أنها “مؤشر كبير يدلّ الى أهمية استعادة الثقة العربية بلبنان وفي اقتصاده ومستقبله ولديه تداعيات إيجابية كبرى على لبنان اقتصادياً وسياسياً ووطنياً، وتعيد إليه الهواء العربي بعد أن كاد النفس ينقطع في لبنان”، مشدداً على “أهمية الدور الوطني والعربي الذي ينبغي أن يلعبه لبنان في محيطه العربي، والذي يؤمن له الحيوية والانطلاقة الصحيحة، وهو ما افتقده لبنان لفترات طويلة”.

ويعتبر السنيورة أن “هذه الخطوة مهمة للعودة بعدما كادت دويلة “الحزب”، التي تحكم لبنان الآن، ومن ورائه إيران، تنجح في تغيير طبيعة لبنان، وتغير طبيعة اقتصاده الحرّ وطبيعة نظامه الديمقراطي، وأوصلته إلى هذا التردي الكبير في هذه الأشهر الماضية. هذا الدور السلبي الذي يلعبه الحزب، ليس حديث العهد، بل يزداد ويتعمّق منذ العام 2011، وترافق مع انهيارات كبرى تبينها جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان”، لافتاً إلى أن “هذه العودة تبعث الأمل في نفوس اللبنانيين للدور الذي من الممكن أن يلعبه الإخوة العرب والأصدقاء في العالم لإنقاذ لبنان من محنته العميقة سياسياً واقتصادياً ومالياً بسبب إحكام “الحزب” خناقه على الدولة اللبنانية، ما أدى الى اختطافها ومنعها من ممارسة قرارها الحر”.

‏وأكد السنيورة أن على الحكومة أن تدرك أهمية أن يعود لبنان عنصراً فاعلاً ومتوافقاً مع اشقائه العرب، وألا يصار إلى استعماله كمنصة للتهجم على الدول العربية، أو تصدير المقاتلين إليها للتلاعب باستقرارها وشؤونها الداخلية، أو حتّى لتصدير المخدرات من أجل إفساد الأجيال الناشئة في العالم العربي. فهذه الأمور غريبة عن دور لبنان الحقيقي الذي لعبه على مدى العقود الماضية منذ استقلاله، ولا تصبّ في مصلحته. هناك مسؤولية تقع على لبنان تتطلب منه أن يكون شقيقاً متعاوناً ومتضامناَ مع أشقائه العرب وليس مكاناً لحياكة المؤامرات عليهم. وبالتالي، يجب أن تقابلها الحكومة بموقف سياسي واضح وصريح يصبّ في هذا الإطار. وبالتالي استخلاص العبر من هذه التجربة حتى لا نقع مرة ثانية في شر أعمالنا”.

‏ويلفت إلى أن تزامن عودة السفراء مع الانتخابات النيابية “أمر طبيعي وضروري بالنسبة للبنان، إذ أنّه المفتاح الذي ينبغي أن نستعمله لكي نلج الباب الذي يوصلنا إلى المزيد من تعزيز هذه العلاقات الوثيقة ما بين لبنان والأشقاء العرب. وينبغي على الحكومة أن تدرك أهمية هذه العودة وتأثيراتها الإيجابية على لبنان واللبنانيين، وكذلك على الاقتصاد اللبناني وعلى الأوضاع المعيشية وعلى مجمل الأمور المستقبلية في لبنان”، مشيراً إلى أن “هذه المبادرة العربية الكبيرة التي اتخذها الأشقاء العرب وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية خطوة هائلة وجيدة علينا أن ننتهزها من أجل تصويب المسارات التي نسلكها راهناً، واستعادة التوازنات في سياسة لبنان الخارجية مع أشقائه وأصدقائه، وأيضاً في التوازنات التي اختلت في الداخل اللبناني من أجل أن يعود لبنان قابلاً للحياة، لأنّ استمراره على هذا النحو من الانهيار والتردي الذي حصل في السنوات القليلة الماضية، سيؤدي به إلى المزيد من الانهيارات، الامر الذي لا يمكن أن يتحملّه اللبنانيون”.

ويختم السنيورة: “نأمل، على أعتاب الانتخابات النيابية والرئاسية، أن يمارس اللبنانيون حقهم وواجبهم الانتخابي من أجل ألا يكون هذا الانتخاب بمثابة تأكيد على الدور الإيراني ودور الحزب في لبنان بل على أهمية عودة الدور العربيّ في لبنان، واستعادة لبنان لحضوره في العالم العربي واحتضان العرب له. هذه هي الصورة التي نحن في صددها، وعودة السفراء تأكيد جديد على هذه التوجهات الصحيحة”.

Exit mobile version