توقفت مراجع سياسية ودبلوماسية أمام سلسلة المواقف الأميركية والأوروبية والاممية التي توالت في خلال ساعات قليلة فاصلة بين موقف وآخر لحضّ اللبنانيين على تشكيل حكومة جديدة تتولى ترجمة تعهدات لبنان الدولية أمام المؤسسات المانحة ولا سيما صندوق النقد الدولي الذي أبرم اللبنانيون معه اتفاقا أوليا على مستوى الموظفين. ولم تخلُ المواقف من توجيه التهنئة الى اللبنانيين بإجراء الانتخابات النيابية وما رافقها من ترتيبات أمنية استدعت توجيه التحية إلى القوى العسكرية والامنية التي أشرفت على الانتخابات النيابية وضمنت سلامتها بالحد الأقصى المتوفر.
على هذه الخلفيات، تعدّدت القراءات التي تحاكي عملية استكشاف ما يمكن أن تؤدّي إليه هذه المواقف وكيفية الافادة منها وترجمتها بما يخدم لبنان والقدرة على الافادة منها في استكمال الخطوات المقررة في ظل الصعوبات التي يواجهها اللبنانيون وفقدان التوافق على الكثير منها وخصوصا لجهة الآلية المؤدية الى التعافي والإنقاذ.
ومن هذه المعطيات، أجرت مراجع سياسية ودبلوماسية عبر “المركزية” جردة بأهمية هذه المواقف وانتهت إلى الملاحظات الآتية:
– ليس مستغربا عند استعراض مسلسل المواقف المنسوبة الى مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان ولا الحكومة الاميركية ولا الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية عدد من الدول فهي وبالإضافة الى ما استهلكه الغزو الروسي لأوكرانيا من جهد فائض فإن اهتماماتها بالأزمة اللبنانية استثنيت من برامج التقشف التي أعلنت عنها لمجرد ازدياد الضغوط الناجمة عن نزوح ما يقارب ثمانية ملايين اوكراني الى دول الجوار والبعد منها، بالإضافة الى المعونات العسكرية الطارئة لحكومة كييف والتي انعكست على برامج الدعم الدولية في العالم باستثناء لبنان.
– بات الأوروبيون ومعهم الأميركيون ومجموعة دول مجلس التعاون الخليجي على علم بأدق التفاصيل في مجريات الوضع الداخلي في لبنان حتى ان البعض من كبار المسؤولين ينافس المسؤولين اللبنانيين بادق التفاصيل التي باتت لديهم وان جهودهم تصب في إطار مساعدتهم على تجاوز بعض العقبات الداخلية بعدما تحول البعض منهم الى وسيط داخلي غير معلن عنه تزامنا مع تحول مسؤولي المكاتب الاممية في لبنان الى وسطاء بين المتناحرين في العديد من الملفات كما هو قائم في ملفات الطاقة والاتصالات والتنمية المستدامة كما يعترف مسؤول أممي في بيروت.
لا تكفي هذه المعادلة لإعطاء الصورة الواضحة عن اهمية هذه المواقف – كما يقول احد المعنيين بتوفير مصادر الدعم للبنان – إذا انه سبق له ان حذر اللبنانيين من مخاطر التردد في اتخاذ الخطوات الاصلاحية الخاصة بخطة التعافي والإنقاذ الاقتصادي والمالي ذلك ان التردد في اتخاذ الخطوات الكبرى سينعكس على “همة” المجتمع الدولي الذي وان لم يلتزم لبنان هذه المرة بما هو مطلوب منه فإن التنصل من وعود المساعدات أمر وارد في اي لحظة ولربما كان قد صدر لولا احتساب النتائج الدراماتيكية المتوقعة نتيجة فشل اهل الحكم والحكومة في تنفيذ اي من الخطوات العاجلة التي تم التفاهم بشأنها.
وأضاف: إن التردد في مقاربة قانون الكابيتال كونترول وإقرار خطة التعافي وتصويب موازنة العام 2022 ستكون من أهم الأسباب التي تدفع الى تراجع برامج الدعم فلا دولارا واحدا من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي والحكومات والمؤسسات المانحة عدا تلك الخاصة بالترددات الناجمة عن الازمة الصحية وازدياد نسبة الفقر وفقدان مقومات العيش لدى فئات واسعة من اللبنانيين لن ترى النور وستبقى قائمة عبر آليات تتجاهل المؤسسات الرسمية ولولا الثقة بالجيش اللبناني ومؤسسات كالصليب الأحمر اللبناني وكاريتاس لفقدت هذه المعونات وبقيت محصورة بالمؤسسات التي شكلتها دول الخليج بأسماء قادتها ورموزها.
وبالإضافة الى هذه المؤشرات التي تدعو الى القلق لا يمكن تجاهل مخاطرها ان لم يسرع المسؤولون في مقاربة الملفات العالقة بعيدا من المناكفات الداخلية ربطت المراجع الدبلوماسية المعنية مضمون هذه المواقف بإمكان تزخيم المبادرة الفرنسية بدعم أميركي وأوروبي ما زال قائما. ولعل الكشف عن الاتصال الذي جرى أمس الجمعة، بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جاء ليؤكد هذا المنحى الذي يمكن ان تقود اليه التحركات الأممية والدولية وخصوصا عندما اكدت الاليزيه ان الرجلين تناولا بالاضافة الى ازمة اوكرانيا وتردداتها على مستوى ازمة الطاقة الدولية الى الأوضاع في لبنان بعد الانتخابات التشريعية. وما زاد اليقيني بجدية المسعى الفرنسي انهما اكدا “مجدداً على الحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعافي هذا البلد، والتي يتوقعها اللبنانيون والمجتمع الدولي” وتجوجا الموقف بـ “تأكيد رغبتهما في مواصلة التنسيق لدعم الشعب اللبناني”.
وبناء على ما تقدّم، يعترف المراقبون عبر “المركزية” أن أمام لبنان مهلة قصيرة تُقاس بما تحتاجه الآليات الدستورية للعبور إلى عهد جديد بعد إتمام المراحل الخاصة بتكوين المجلس النيابي الذي يتسلم مهامه التشريعية غدا الأحد بانتخاب رئيسه ونائب له وهيئة مكتب المجلس ورؤساء ومقرري اللجان النيابية تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة تقود المرحلة الفاصلة عن نهاية العهد وانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية ضمن المهلة المحددة للعبور الى مرحلة التعافي والإنقاذ وإلا سيكون لبنان امام استحقاقات صعبة لا يستطيع احد تقدير نتائجها الكارثية على اللبنانيين ومستقبلهم.