أليس بوغوصيان
أليم هذا التاريخ. حزين هذا اليوم من السنة لأنّه يجسّد ذكرى أليمة، تمثلت بمحاولة إبادة شعب برمته: سُلخت الناس من أراضيها، نُكّل بالأرض والعرض، دُمّرت الكنائس وتحوّلت إلى زرائب، امتدّت طوابير البؤس والتشرّد من أرمينيا إلى دير الزور، حيث وصلت قلّة قليلة من الناجين مشرذمين، مُنهكين لا أفق لهم ولا مأوى.
لن نعيد سرد القصّة التي حفظها كلّ اللبنانيين وشعوب العالم، فالاضطهاد العثماني طال معظم بلدان المنطقة، فأتت النتيجة على قياس الظلم والاستبداد: مجاعة، مشانق، نهب، تنكيل ومحاولة محو ذاكرة جماعيّة لشعب تميّز بالانفتاح والسلميّة.
لكن هذا التاريخ لا يتوقّف عند يوم واحد في السنة، وقد يكون كذلك للبعض، إذ يتذكّر هذا البعض فجأة أنّه من أصول أرمينيّة مستغلّاً (الكنية) المنتهية بـ”يان”، مسجّلاً مواقف شعبويّة لا تمتّ بصلة إلى الواقع اليوميّ، لأنّ المواقف تختفي في الخامس والعشرين من نيسان.
بالله عليكم، ضعوا جانبًا عواطفكم المزيّفة، وعيشوا “أرمنيتكم” يوميًّا لأنّ الانتماء ليس طبقًا نحتسيه في تواريخ معيّنة من السنة، أو استحقاقات دستوريّة دوريّة؛ وهذا ما نراه – للأسف – هذه الأيّام في وطننا، حيث الطفيليّون الذين تذكّروا فجأة جذورهم وراحوا يزايدون بأمور يجهلون مضمونها ومحتواها.
إنّ المدارس والكنائس والأندية والجمعيّات لم تُشيّد بسحر ساحر بل أتت هذه المؤسّسات لتكرّس الحضور الأرمنيّ في لبنان بهدف المساهمة بنهضة الوطن وازدهاره.
زقاق البلاط، الأشرفية، برج حمّود، صور، عنجر، أنطلياس وغيرها من البلدات اختارها الأرمن، وعاشوا فيها بوئام واحترام مع الإخوة اللبنانيين، وساهموا في ازدهار تلك المناطق على كافة الأصعدة، محترمين كافة الأديان المحيطة بهم، فخلقوا واحة مثالية للتعايش والحترام المتبادل.
حقوقنا لم تعد حتّى يومنا هذا.
مطالباتنا شبه اليوميّة بإحقاق الحق لم تلقَ أذانًا صاغية.
أراضينا لا تزال مسلوبة، وجاءت الحرب الأخيرة في منطقة ناغورني غاراباغ لتثبت صحة مطالبنا ومدى التغاضي عن إحقاق العدالة الدوليّة ومعاقبة تركيا على جرائمها واستباحتها أبسط المعايير الإنسانية.
أين المجتمع الدولي؟ أين أوروبا حقوق الإنسان من كلّ ما جرى وقد يتكرّر في أيّ لحظة؟ أين أميركا الرئيس وودرو ولسون الذي اعترف بحقوق الشعب الأرميني؟
لن نهدأ، ولن نستكين حتّى إعادة ما سلب ظلمًا وعربدة. أمّا للذين يتذكّرون “أرمنيتهم” ظرفيًا فنقول “اصمتوا ولا تستغلّوا أسماءكم وكنيتكم لتسجيل مواقف دون كيشونية تختفي مع مجرّد نسمة هواء تهبّ هنا أو هناك، وقد يصحّ القول فيكم: يلي استحوا ماتوا”.