“لو صرفتوا أموال الانتخابات عالطاقة الشمسية ما كان أحسن؟”
الجنوب كله يعوم على بحيرات من المياه... ولا مياه في المنازل
«راحت سكرة الانتخابات واجت فكرة الازمات»، واقع مرير يتهدد المواطن وهو يحبس أنفاسه الاخيرة بعد تفشي أمراض الغلاء في حياته، وأضيف اليها أزمة الدواء المفقود وأزمة الغاز المقطوع على ان يرتفع سعره غداً، وأزمة المياه. فالأخيرة مرتبطة بعناصر عدة: مازوت، كهرباء ونقل، ما سيضع المواطن حتماً أمام نقلة مياه بسعر 600 الف ليرة، وهو أمر غير مستغرب أو مستبعد.
ما صُرف على الانتخابات كان يكفي لتوفير طاقة شمسية للآبار تحلّ أزمة تقنين المياه القاسي، وتحدّ من ارتفاع سعر النقلة، غير أن هذا الامر غاب عن بال المتنافسين، فكل فريق كان همّه الاوحد شراء الاصوات بأي ثمن.
لا تهدأ استغاثات فاطمة على مواقع التواصل «بدنا مي» فهي تعجز عن تأمينها بسبب سعرها الغالي 400 الف للنقلة الواحدة، «حرام عليكم ارأفوا بالناس»، قبل ان تقول «آلاف الدولارات صرفت عالانتخابات، لو صرفت على الطاقة الشمسية مش افضل كنتوا كسبتوا صوتنا وكسبنا المي، بس للاسف، راح الصوت وفقدنا المي».
صرخات الناس من قرى عدة بدأت تخرج الى العلن، لعل أبرزها حاروف، التي تعاني الويلات، فلا مازوت ولا كهرباء وبالكاد تصل المياه، ويقول مهدي «ان معاناة حاروف مع المياه قاسية، فهي تدفع ضريبة التجاذبات الحزبية، وانحلال البلدية، وسوء الأداء وغياب المسؤوليات، كل ذلك يحصل ولا من يتحرك، حتى المحافظ الذي يدير البلدية يرفض صرف اموال على تأمين المازوت، لانه يرى ان الامر من مسؤولية مصلحة المياه، وبين الاثنين وقع المواطن أسير الازمة وارتداداتها القاسية عليه».
مئات الآبار الجوفية التي جرى حفرها طيلة السنوات الماضية في العديد من القرى تكاد تلفظ أنفاسها، كثير منها متوقف عن العمل بسبب شح المازوت وانقطاع التيار الكهربائي، ما يعني ان قرى عدة ستخرج صرختها عمّا قريب. فكلفة تأمين المياه شهرياً للاستعمال المنزلي قد تتجاوز الـ2 مليون ليرة، هذا عدا عن فاتورة الاشتراك الكهربائي والدواء والطبابة والاكل والخضار، فهل سيتحرك النواب لتأمين المياه للقرى، والمواطن للمطالبة بأبسط حقوقه؟
أسئلة الإجابة عنها صعبة وسط تلبد المشهد بعيد الانتخابات، وحده اقتراح محافظ النبطية بالوكالة الدكتور حسن فقيه يبدو الحل الأمثل حتى الساعة، فقد دعا رؤساء البلديات الى التحرك باتجاه الجهات المانحة والمتمولين وحتى لجمع التبرعات من الاهالي لشراء طاقة شمسية للآبار، وهو يدرك أن الامر صعب لكنه غير مستحيل، فبإمكان كل رئيس بلدية ان يضع خططاً مائية لمعالجة الازمة، وان يكون جزءاً من الحل. يقترح إشراك المواطن بالحل، فهو لن يرفض، على العكس سيدفع مئة ألف وربما اكثر طالما أن الهدف معالجة ازمة. يضرب مثلاً بلدية كفرتبنيت التي تمكنت من تأمين أموال للطاقة الشمسية، من جزء من المتمولين وجزء من الأحزاب وآخر من الناس، اذ لم يعد هناك باب آخر، والا سيجد المواطن نفسه امام نقلة مياه بمليون ليرة، من يتحمل هذا الامر؟
بحسب فقيه فإن هذه الخطوة ستجنّب المواطن أعباء باهظة فهو لن يتأخر عن دعمها لانها ستخفف من فاتورته، أقله يدفع لمرة واحدة فقط.
يؤمن فقيه بالحلول الذاتية، ويشجع عليها، ويدعو الى وضع حلول لكل الازمات، لان انتظار حلول تهبط «بالبارشوت» في وضع مثل لبنان، هو بمثابة انتحار…ويحث البلديات على ان تحذو حذو بلدية كفرتبنيت لتأمين الكهرباء الذاتية للآبار من الشمس.
وحدها يحمر تنأى بنفسها عن أزمة المياه، فشركة المياه وضعت ألواحاً شمسية على آبارها، كما العديد من البلدات في خطة إنقاذية استباقاً للازمة، وتتعاون مع جهات مانحة. فبحسب المعلومات تسعى المصلحة الى تحويل معظم الآبار على الطاقة الشمسية، كما ان شركة المياه حذرت من الازمة ودعت المواطنين الى ترشيد الاستهلاك درءاً لمآسي انقطاعها.
لا يكفي المواطن شراء المياه للشرب فقط بل عليه شراؤها للاستعمال، فالمياه علة العلل الصيفية هذه الايام في قرى النبطية والجنوب كله، رغم انه يعوم على بحيرات من المياه، فغياب الخطط والمشاريع المائية اسهم في تفاقم الازمة طيلة السنوات الماضية، حتى مشروع الليطاني والسدود وغيره ما زال خارج الخدمة، والقرى المحاذية لنهر الليطاني عطشى رغم ان النهر يجري تحتها، ما انعكس ليس فقط على حياة المواطن بل أيضاً على الزراعة التي بدلاً من ان تنشط لتأمين حاجة السوق، تتراجع بسبب شح المياه وكلفتها الباهظة.
فأين النواب من كل ما يحصل؟ اقله بإمكانهم المساعدة على جذب الممولين لبناء مشاريع مائية. حتى المثل دق المي… مي لا ينطبق في ظل فقدان المياه.