“مين بتحب أكثر أمّك، أو بيّك؟”
من ذلك السّؤال الّذي كان يداهمني أيّام الطّفولة؛ تعلّمت أنّ الحبّ في بيئتي قاصر ونفعي.
كنت كلّما قصفني ذاك السّؤال، أقف حائرًا، أرتجف كالعصفور المخيّر بين العواصف والرّصاص؛ لا أعرف أيّهما أختار، ولمَ عليّ أن أختار؟!
من ذلك السّؤال عرفت أنّني أعيش في بيئة الحبّ الموجّه.
بيئة عليك أن تحبّ فيها دينك وتكره وسواه.
بيئة تحبّ فيها اللّه وتكره خلقه.
بيئة تحبّ فيها عمّك وتكره خالك.
بيئة تحبّ فيها عشيرتك، وتكره باقي القبائل.
بيئة تحبّ فيها كوخك، وتكره قصر جارك الميسور.
كنّا بيئة الحبّ، الّذي لا ينمو بلا بدائل.
حبّ ليس يشبه الأرض بتاتًا، ولا علاقة له بالسّماء.
كنّا في زمن البيادر والحصاد، نكلّف نخن الصّغار بحمل قضيب، ربطوا في رأسه قطعة قماش فاقع لونها. نهشّ به على عصافير الجوع، لئلّا تأكل من بيادرنا.
كانت الأرض تَعلَم أنّ السّنابل راجعة إليها، لذا كانت تنتصب بكلّ شبابها تباهيًا، واهتزازًا.
وكانت السّنابل تعرف أنّ حَبّها لسواها.
وحده الإنسان في بيئتي كان يؤمن أن الأرض له والسّماء له، والقمح والبيدر، والطّير والماء والرّيح وكلّ ما في الكون له.
أمس قصدت قبر أمّي وربيعة شوقًا. لفت انتباهي لوحة عند مدخل المقبرة:
” أللهم ارحم أموات المسلمين”
تذكّرت أنّ اللّه في القرآن الكريم، مطلع صورة الفاتحة ربّ العالمين:
” الحمد للّه ربّ العالمين”
لكنّه في بيادر الموتى في قريتي، صاحب بيدر كأيّ فلاح منّا. بيده قضيب، في رأس القضيب قطعة قماش، يهشّ بها على أيّ طير قد يغط على بيدره سعيًا إلى حبّة رحمة تسد جوعه.
لذا كتبنا:
“اللّهم ارحم أموات المسلمين”
ذلك لأنّ اللّه ليس لسوانا.
عمر سعيد