مأزق الحزب في بيئته
تقاسم المشهد اللبناني خلال الأيام الماضية صورتان متناقضتان، ونموذجان مختلفان، وخطابان لا يشبهان بعضهما، ولا يفصل بينهما لا جغرافية ولا قانون ولا دستور، ولا يجمعهما وطن ولا حليف أو عدو. فالصورة في الضاحية، في مناسبة تشييع فؤاد شكر، اتشحت بالأسود واستحضرت التهديد وبشّرت بالدمار، فيما مشهدية بكركي، احتفالاً بإعلان تطويب البطريرك اسطفان الدويهي، اتسمت بالنور واستحضرت السماء وبشّرت بالقداسة وقدسية لبنان…
هذه المشهدية يمكن أن تضاف إلى مواد الإختلاف والخلاف بين بيئة الثنائي الشيعي وسائر اللبنانيين، ولم يعد من التجنّي القول بأن ما يفرّقنا أكثر بكثير مما يجمعنا، إذا وُجِد ما يجمعنا باستخدام مجهر دقيق جداً يدخل في تفاصيل التفاصيل. هاتان المشهديتان تبرزان جلياً في زمن الحروب التي يشنّها “الحزب” على الدروب من السيدة زينب إلى القدس، إلى خان يونس واليمن الحزين، وصولاً إلى البوسنة. فقد بدأ التململ يظهر حياً إلى العلن بعدما رقد كثيراً في السر داخل البيئة الشيعية…
الكلام يتعاظم داخل بيئة الثنائي عن جدوى وضرورة وإلزامية أن تبقى هذه البيئة في دائرة الخطر والموت والتدمير والتهجير، فيما تتنعم البيئات الأخرى بالأمن والإستقرار والإزدهار في الوطن الواحد. حيث المفترض أن يلاقي أبناؤه المصير الواحد، والكلام لا يقصد أن تعمّ الحرب الوطن الواحد، بل أن يشملهم سلم الآخرين الذين لا ذنب لهم في حروب نصرالله. وعلى العكس، فهم يرغبون بأن تبقى الحرب محصورة كي يبقى لهم ملاذاً آمناً يقصدونه هرباً من جحيمهم.
فأهل الجنوب الذين هربوا إلى الضاحية باتوا وأهل الضاحية يهربون منها إلى مناطق في الجبل. والميسورون أكثر يبتعدون أكثر نحو المتن وكسروان وجبيل، على الرغم من الخشية المحقة لأبناء تلك المناطق من تسلل عناصر قيادية من الحزب للإقامة فيما بينهم وجلب التهديد باستهدافهم في أماكن تواجدهم…
هذا المأزق في البيئية الشيعية لن يمرّ مرور الكرام وسيحتاج الحزب إلى ذريعة أكبر من “سنعيدها أجمل” لاستعادة ثقة البيئة الشيعية. فمن سيعيد القتلى، رجالنا ونسائنا وأطفالنا؟ فمن رحل لن يعود، والقدس تبدو بعيدة أكثر من أي وقت مضى، والردّ الشكلي أو الحقيقي لن يستعيد هيبة الحزب، والكلام عن “فدا السيد” يصدر عن غير ذي صفة.