ما بعد بعد الهبل

كنت فتى أعمل في ورشة بطاطا، تحت إشراف وكيل ورشة عشريني.

دخل راعٍ إلى حقل البطاطا، ولم نكن قد أنهينا بعد.

اعترض الوكيل، فصفعه الرّاعي.

فردّ الوكيل: لا تغلط! بعدني ع بحترمك، لأنّك أكبر منّي!

فصفعه الرّاعي ثانية، وشتمه..

غضب الوكيل، وردّ: لا أزال أحترمك، فلا تفرض عليّ أن أغلط معك.

بدأت أنفعل، وأنتظر ردّ الوكيل.

إلى أن صفعه الرّاعي ثالثة.

قال الوكيل وقد زمّ الكمّونة: مش فاضي لك هلأ، حسابك بعدين!

فقدت أعصابي، وأغضبتني تلك ال بعدين. تناولت حجرًا، وضربت به الرّاعي على رأسه، فنفر الدّم منه، وسقط أرضًا.

انطلقت أجري هاربًا صوب قريتي خلف الجبل، وواصلت الرّكض حتّى وصلت البيت.

في المساء، حضر الوكيل إلى بيتنا، يشكوني إلى أبي.

تذكّرت تلك القصّة اليوم، وأنا أرى وزيري الهبل حجّار، وفيّاض، يرشقان بالحجارة المحتلّ في أراضي فلسطين، فيصيح أحدهم:

“أضرب، والرّيح تصيح”، ويعلّق آخر: “التّكرار بعلّم الحمار”. وقد سقطت الحجارة داخل الأراضي اللّبنانيّة قبل الشّريط الحدوديّ.

منذ عقود والعرب يبحثون عن الزّمان والمكان المناسبين اللّذين باتا يثيران السّخرية والضّحك في كلّ تصاريح النّاطق العسكري، بعد كلّ قصف أو تعدٍ!

ليكتشف الناس أنً “ما بعد بعد حيفا” هو نفسه ما بعد بعد الهبل العوني.

وهكذا يكون تطور سلاح الممانعة، قد بلغ ذروته برشقات حجارة وزير كان أجبن من أن يدافع عن نفسه كرجل يوم دفعه أحد الثّوار.

ولأنّني لست من عشّاق الرّمزية، لا أبالي بدلالة هذا الفعل، الّذي يشبه ردّ وكيل تلك الورشة، وردودا لناطق العسكري السّوري.

ولانشغال أطفالنا برسم عمود إنارة محطم، وحنفيّة ماء جف فيها الماء، ومحطة وقود بلا وقود، فلا أظن أنهم قد يهتمون لرسم قصف العدو بحجارة لا تطال الشّريط الحدودي.

لا بل إني واثق أن ذلك سيكون بمثابة رصيد إضافي من الهبل والتفاهة في ذاكرة أطفال لبنان وسوريا، خاصّة وأنّ الوزيرين قد ظهرا أعسرين، وأطفالنا يحفظون وعن ظهر قلب المثل القائل:

” الفشلاوي بعمره ما قتل واوي”.

ملاحظة: زم الكمونة: جمع أصابعه متوعدًا.

زر الذهاب إلى الأعلى