“محمد جمال في رحلة الوداع: ضياع الرومانسية والموسيقى الأصيلة في زمن الثراء والفساد”
مات محمّد جمال، بعد أن كبرت سيّارات الفاسدين وكثرت فلوسهم، وعمارتهم أكثر ممّا يمكن لقلبه أن يحتمل، وما عاد بامكانه إقناع الحبيبة بأنّ قلبه أكبر من صاحب السّيّارة، والعمارات المؤجّرة. وأن القلب الشّاب يبقي صاحبه شابًا، ولو عمره بعد الميّة.
مات وقد قسّموا شرقي بلدي الّذي ضاق بالعشاق والمحبين، فأخلوهم لصالح مراكز بنوكهم، وملاهيهم، ومقرّات أحزابهم البشعة.
مات إذ تحقّقت نبؤته وهو الّذي كبر يغنّي: ما عندي مال أعطيك ولا عندي جاه إهديك، عندي هالقلب يا قلبي، وما بفكر إنّه بيرضيك.
المصادفة أنّه مات بعد أن مات إيلي شويري وقد غنّى يا ناس حبّوا الناس، وهو الّذي غنّى قبله الدّنيا حب.
مالت به الأيام وكثيرًا، وما ملّ غناء ميلي ما مال الهوى.
مات وقد ترك خلفه باقة أغانٍ لا أظنّ أنّ الأجيال الحديثة قد تستعيد سماعها، وقد تبقى مزّيكا يا مزّيكا تسكن ذاكرة من شابوا مثلي، ويظلّ شعر تلك الحلوة يلوح في هواء يحمل من وقت لآخر رائحة قهوة أم حمادة السّادة. هواء لم تكن قد لوّثته رايات التّحريم القادمة من الشّرق الأسود، كما الأيّام الّتي غيّبته.
وداعًا محمد جمال.