الاتفاق السعودي – الإيراني إنجازٌ مهم على الحلبة الإقليمية والعالمية حققته الصين، ويُشكّل قضية لطالما صُنّفت مستعصية، وإن بقيت العبرة في مدى التزام إيران بالبنود التي وردت في متن الاتفاق.
الاتفاق يمكن وصفه بـ”الشامل” لأنه يطال بلدان المنطقة كافة، وتأثيره لبنانياً أمرٌ ثابت وبديهي. وبعيداً عن الترحيب والتهليل الذي حصل من أغلبية القوى السياسية، فقد تأخذ ترجمة تأثيره في التجاذبات السياسية اللبنانية وقتاً غير يسير، نظراً للتعقيدات اللبنانية من جهة، والتشكيك في إمكانية بقائه على قيد الحياة أمداً أطول من جهة أخرى، لأنّ مشروع الثورة الإيرانية توسّعي بطبيعته وتكوينه وعلّة وجوده، ومن الصعوبة بمكان أن يتخلّى عن دوره العسكريّ مقابل مجرّد نفوذ سياسي.
“معراب”، التي لها علاقة قوية وثابتة بالسعودية، لا تنظر بعين الريبة أو الخوف إلى الاتفاق بين القوتين الإقليميّتين، أولاً لثقتها بعدم وجود تسويات قد يكون لبنان ثمناً لها، رئاسةً ونظاماً؛ وثانياً، لاعتبارات داخليّة قواتيّة أساسها رفض الدخول في أيّ بازارات تسمح بوصول رئيس من 8 آذار؛ فالقرار في معراب واضح ونهائيّ، “لا مجال لأن يكون لإيران رئيس في لبنان”.
عوامل طمأنة
مرتكزات الاتفاق بالنسبة للقوات هي الأساس. أولاً، البيان الصادر وما تضمّنه من بنود حدّدت المسار العام، وثانياً، راعي الاتفاق.
بالنسبة للمرتكز الثاني، ترى “القوات” أن قوّة الاتفاق السعودي – الإيراني تتمثّل في الرعاية الصينية، وبيجينغ ستضع كلّ إمكاناتها لصيانته وتنفيذه بالشكل الحسن، حمايةً لصدقيّتها من جهة، ولتكريس دورها كلاعب في الشرق الأوسط بالتوازي مع واشنطن وموسكو دولياً، وكلاعب مهمّ على المسرح الدولي من جهة أخرى. مع الإشارة في الوقت نفسه إلى المصالح المشتركة التي تربط الصين بالسعودية من جهة، وبإيران من جهة أخرى، إضافة إلى حضورها الاقتصادي في دول خليجية أخرى.
أمّا مضمون الاتفاق، ومدماكه الأساس، فهو ما نصّ عليه لجهة احترام المواثيق الدوليّة، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول؛ ومعروف أنّ ايران هي التي لا تحترم المواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن، والتي تتدخّل في اليمن والبحرين والعراق والكويت وسوريا ولبنان… وهذا يعني أن إيران، وهي الطرف الذي خالف كلّ هذه الشروط، مطلوب أن تجري تعديلاً على سياستها التوسّعيّة، فتمتنع عن التدخّل في شؤون الدول الداخليّة وتلتزم بالمواثيق والأعراف الدولية.
هذا الالتزام من الجانب الإيراني – إذا حصل – سيُريح لبنان، لأنّ الجزء الأكبر من مشكلاته منذ فترة الحرب إلى مرحلة التسعينيّات، إلى اليوم، هو التدخّل الخارجيّ في شؤونه الداخليّة. فبعد عام 1990 – على سبيل المثال – ونتيجة موازين خارجيّة، أمسك النظام السوريّ بالورقة اللبنانية، وأُلحقت بيروت بدمشق، ولولا التدخّل السوري لكان اتفاق الطائف طُبّق، ونتجت عنه تسوية حقيقيّة. لكن الانقلاب الذي حصل على هذا الاتفاق ألحق لبنان بسوريا. وبعد الـ2005 استُكمل هذا التدخّل بالشؤون اللبنانية من خلال وراثة “الحزب” للنظام السوري، وإمساكه بمفاصل القرار الاستراتيجي للدولة اللبنانية.
من هنا، فإن لبّ المشكلة اللبنانية هو التدخّل الخارجي. وليس صدفة أن نصّ ميثاق 1943 على معادلة “لا شرق ولا غرب”، وهي تعني رفضاً جازماً لكلّ التدخلات الخارجية من أيّ جهة أتت، وتكريس مبدأ “لبنان أولاً” و”الدولة أولاً”، وهي شعارات رُفعت في انتفاضة الاستقلال عام 2005.
وجودُ دولة في المنطقة، تملك وضعيّة إقليميّة متقدّمة، تتدخّل في الشأن اللبناني من خلال فئة لبنانيّة، وتنقلب على الواقع السياسي في لبنان من دون القدرة على تبديل الأوضاع، وتطبيق القرارات الدولية، يجعل “القوات” تنظر بإيجابية إلى الاتفاق، خصوصاً لجهة بَندَي القرارات الدولية، والتدخّل في شؤون الدول، لأنّه سيكون بداية الحلّ في لبنان، وسيكون تأكيداً للثوابت التي تنادي بها “القوات”، أي الدستور، الطائف، بالإضافة إلى المرجعيّتين العربيّة والدوليّة.
وتعتبر “القوات” أنّ المناخ العام الذي سيعمّ المنطقة برعاية سنيّة، قوامه التهدئة والتبريد، والذهاب إلى معادلات تشاركيّة ذات توازنات سياسية بعيدة عن مسارات عنفيّة تخلق للبنان تناقضات في سياسته الداخلية والخارجية، وهذا يمكن أن يعكس حلولاً لبنانيّة، لكن الأمر مرتبط بمدى التزام الفريق الإيراني بالاتفاق وبنوده.
ومن الانعكاسات الإيجابية للاتفاق تبدّل في السياسة الخارجية لتكون مبنية على مرتكزات الدستور والطائف، توازيها سياسة داخلية مبنية على المرتكزات نفسها، وهذا يخدم بشكل عام المشروع السياسي الذي تتبناه “القوات” وتناضل من أجله. فـ”القوات” تعرب عن ارتياحها لكلّ ما يتعلّق بإرساء مرتكزات عربية ودولية ودستورية وميثاقية.
لا تنازلات داخلية
تجدّد “القوات” التأكيد أن لا إمكانية لدفع ثمن أيّ تسوية إيرانية – سعودية في الداخل على شكل تنازلات، وتقول مصادرها: “التسويات اليوم إن حصلت لن تكون على قاعدة مقايضات بين هذا البلد أو ذاك كما يحاول البعض أن يشيع، بدليل أن البيان يؤكّد أن التسويات من الآن وصاعداً ستكون على قاعدة الاستقرار في المنطقة”.
وتعتبر أن “حالة عدم الاستقرار هي حالة عامّة، والاتفاق متكامل، إذ لا يكفي أن يستقرّ بلد ما ويستمرّ محور الممانعة بممارساته ذاتها في بلدان أخرى حيث يُنتهك مضمون بيان الاتفاق. فالشروط التي وُضعت لها علاقة بكلّ الدول وليست منفصلة بين دولة على حساب أخرى”.
وتقول: “هذا لا يعني أن إيران ستتخلّى عن أذرعها، بدءاً بالحوثي في اليمن، وصولاً إلى “الحزب” في لبنان. لكن من المهم الذهاب إلى حالة تتعطّل معها مهام هذه الأذرع، ولا تقوم بممارسات تعطّل مفاهيم ومضمون ما تمّت الموافقة عليه في الاتفاق”.
بالاختصار، ستتأثّر الدول الخاضعة للنفوذ الإيراني وتشهد تبدّلات تتراوح بين التبريد والتسويات الجزئية، ممّا سينعكس حكماً على الوضع السياسيّ في لبنان، الذي سيخرج من نفق الشغور باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية لا غالب فيه ولا مغلوب لأيّ فريق سياسي.