أتى في كتاب التاريخ، صفحة 11 المقطع الثاني: “حصل لبنان على استقلاله من الانتداب الفرنسي في 22 تشرين الثاني 1943”. فأصبح بالتالي دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة بحسب المادة الأولى من الدستور اللبناني.
درسنا عن هذا الاستقلال، وحفظناه، وسمَّعناه، لكن، هل طبقناه؟ لم يطبقه مرء… لأننا في ظل استقلال بلا استقلال.
بين الوطنية والطوائف والأحزاب أضعنا وطناً ظنناه قد استقل، لكن اتضحَ أنه غرق في احتلال الجوع وانتداب الذل.
يا أبناء بلد العجائب، أهذا هو ما ناضلتم وثرتم وحاربتم من أجله؟ بلد يموت به أبناؤه بانفجار هدمَ المدينة يُقال عنه قضاء وقدر؟ بلد لم تعرف به أمّ كيف خُطفَ أو استُشهدَ ولدها؟ بلد يموت به شبابه وهم عائدون من سهرتهم لأن حفة بنصف الطريق لم تُأخذ بالاعتبار من رؤساء البلدية “المنتخبين ديمقراطياً”؟ بلد أصبح الأمان فيه مزحة والجريمة فيه فخراً؟ بلد إذا ثار فيه أبناؤه أصبحوا زعراناً وإذا رضخوا أصبحوا وطنيين؟ بلد لا يعرف العدالة إلا في الكتب القانونية، ولم يعرف الاستقرار إلا بالألسن المزيفة، ولم يعرف الحرية إلا بالكلمات الفارغة.
بذلك نحتفل بالاستقلال… يحل استقلالنا ولا رئيس للبلاد يخاطب شعبه بهذه المناسبة، ولا سلطة تنفيذية تقوم بإجراءات تعزز مرور هذه الذكرى، ولا سلطة قضائية مستقلة تقوم بالتأكيد على العدالة المستقلة الحرة. لا بل نعبر هذه الذكرى بالمزيد من الفوضى والخلل والفلتان.
ألم تُلاحظ أيها الفينيقي أن لُبنانيَّتَكَ أصبحت مهنة وليس جنسية؟ مهنة متعبة ومهلكة بأجر ضعيف، تنتقل من جيل إلى الآخر ناقلة معها صدمة مورثها.
في الـ 79 سنة التي مرت لم نكن يوماً مستقلين، بل كنا دائماً دولة الحق الضائع… نبحث، ونحن نبحث عن الاستقلال والحق، رأينا عدوه الاستبداد يتسلق زاوية الوطن ليجعل من وطن شامخ، وطناً مهزوماً مجروحاً تلعب به طبقة سياسية لم تعرف إلا اللعب. لكن مع كل لعبها لم تتمكن من هزم الشعب اللبناني مع اختلافه وتنوعه، فاختلطت الدموع وتعانقت الوجنات وتشابكت الأيادي ضد الطبقة السياسية الفاسدة، بالتالي يا أيها السادة، اعرفوا أن صوت الشعب هو من صوت الله، خافوا منه. فليسمع المتنعمون في القصور والنيام في المقرات الرسمية والمتآمرون في الغرف السوداء، لبنان سيستقل فعلياً يوماً ما من حبسكم الفاسد.
ان الاستقلال يا سادة ليس مجرد جلاء جنود غرباء عن أرض الوطن، بل إنه جلاء عقلية أدت سيادتها لفترة من الزمن إلى المطالبة بالاستقلال. لقد رحل العثماني وظلت عقلية المكتبية فينا. ورحل الفرنسي وظلت عقلية التمزيقية تحكمنا. ولقد رحل السوري غير أن فساده وسوء تنظيمه وتعدياته على الهوية ظلت لا بل تفاقمت.
نحن اليوم نقوم بثورة لإنقاذ استقلالنا المنهار في أيدي محتلينا الجدد الذين هم نحن… نحن الذين علينا إجلاء أنفسنا عن وطن جلا عنه الغرباء وما جلت عنه عقليات تبنت فكراً احتلالياً غيرت بمفهوم الاستقلال وجعلت من لبنان تابعاً للغريب.
أخيراً، في ذكرى الاستقلال، أتوجه أولاً الى حامي استقلالنا، أعرف ان المؤسسة العسكرية لم تعد وسيلة قمع في يد السلطة كما أُريدَ لها ان تكون فيما سبقَ، بل صارت آلة حكيمة لحماية ما نحتفل به اليوم، فاحفظ لنا استقلالنا. وأتوجه ثانياً إلى السياسيين الكرام، افتخروا بإنجازاتكم الفاشلة لكن اعرفوا، لن نترك استقلالنا يغرق بإنجازاتكم هذه. وأتوجه ثالثاً إلى اللبنانيين، إن الوطن بأمانتكم، وأنتم بأمان الله، لا تضيعوا مهنتكم، لأنكم أينما ذهبتم، ولو تركتم لبنان، لبنان لن يترككم.
كل استقلال والصوت اللبناني يشع فوق الأرز الصامد الحرّ!