كتب جوزف بو هيا في موقع ourleb
“لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجاً وَيَضَعهُ في خِفْيًةٍ، وَلا تَحْتَ الْمِكْيَال، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، لِكَيْ يَنْظُرَ الدَاخِلُونَ النُّورَ” لو ٣٣:١١
١٤٠٠ سنة مقاومة وشهادة في لبنان والشرق ملأت زيتاً لا ينضب في سراج منارتنا. شهداؤنا عبّدوا لنا الطريق للحياة واليوم نحن ملتزمون بهذه الطريق لنبقى نور هذا الشرق ولكي لا نضع سِراجنا في خفيةٍ.
شعلتُنا مُتَّقِدة بالإيمان، نستمدُّها من سيّدنا يسوع المسيح، قدّيسينا و تعاليمِ كنيسَتِنا. إيماننا وصبرنا حفر الصخور ونقش في الحجر منذ مئات السنين ولا زالت رائحة البخور تَعْبِق في وادي القديسين الدهريّ أساس إيماننا الصّلب ودليل إلتزامنا بمسيحيّتنا. أجدادُنا حَفَظوا الإيمان بإعتصامهم في جبال ووديان لبنان لتبقى الشعلة تضيء ظلماتنا في أيام الشدائد والمِحَن. هذا الإيمان هو مصدر ثباتنا في هذه الأرض المقدّسة ولهذا كان المسيحيّون أول من آمن بلبنان وطناً نهائياً لهم وعملوا على تأسيسه سنة ١٩٢٠ بشراكةٍ مسيحيّة – إسلامّية.
شُعلَة سِراجنا نابعة من حبٍ للحياة والحريّة. الحرية هي ما نعشقُه ونستنشقُه ونقدّسُه حتى الإستشهاد، نحن أبناءُ الرّجاء والقيامة. عندما أحسًَ المسيحيون أن حريتهم مُهدّدة في لبنان ،كانت سنة ١٩٧٥ ليوقفوا مرور طريق القدس التي خُيِّلَ للبعض أنها قد تمُرّ في يومٍ من الأيام في أرضِنا المباركة. ولكن مهلاً مهلاً ،التاريخُ عرفَ المسيحيين وهم لم يبخلوا يوماً ليرووا هذا التاريخ من دمائهم، فأكملت المقاومة المسيحيّة مسار التاريخ وبقيت المناطق الحرّة منارةَ هذا الشرق المظلم الذي لم يرحمهم ولكنهم عشقوه حتى الشهادة مرّةً أُخرى. أتت سنة ١٩٩٤ واستقوى بعض الذميّين بالسوريين ونُكِّلَ بالمسيحيين الأحرار لإجبارهم على ترك أرضهم أو الخضوع للسوري بأدواتٍ مسيحيّة. ومرَّة أُخرى أسقطت دماء وعذابات المناضلين في السجون جَهل الطارئين على التاريخ. أزهر المسيحيون في الإقتصاد والعلم والطب وحوّلوا لبنان منارةً للعرب والشرق. لم يبخلوا على وطنهم في أيّ مجال من الإزدهار حتى الإستشهاد في أيام ما يُسمّى بالسِّلم. فكانت المقاومة والعمل الدؤوب للوصول الى الحريّة ببركة ورعاية البطريرك صفير الذي لم يترك شعبه بل مكَّنَهُ وسلَّحه بإيمانٍ صَلب لا يَلين أمام الضغوطات. بقِيَ أزلام السوري منبوذين من المجتمع المسيحي وكانوا غرباء عنهُ. لم يكونوا ليصبحوا نواباً لولا الخدمات الصحيّة والمادية إضافةً إلى التوظيفات العشوائية فكانت نوعاً من الإبتزاز الرخيص بلقمة العيش للمجتمع المقاوم. وانتقاماً لنبذهم وضعفهم أمام صلابة إيمان وعزّة نفس المجتمع المسيحي إبتدعوا بدعة التجنيس كلٌّ في منطقته طمعاً بحفنة أصوات إنتخابية ولم يأبهوا للتهديد الذي يشكله التجنيس على الديموغرافيا والثقافة ، بغض النظر عن أحقيّتهم بالجنسية أم لا، وهم لا يشبهون أفكار مجتمعنا ونمط عيشه. إتّجاه التاريخ واحد حتى لو أمهلَ لبعض الوقت ولكنه يبقى في مسارهِ وأتى عام ٢٠٠٥ ونَقَلَ المسيحيون عدوى الحريّة الى الجناح الآخر للبنان، المسلمون الذين لاقوا الشريك بفكرة “لبنان أولاً”. هذه الحقبة المجيدة من تاريخ لبنان ما لبثت أن ضاعت في زواريب المصالح والسياسة الضيّقة. لكن المسيحيين بقوا أوفياء لتاريخهم وشهدائهم لتبقى لهم الحرية التي عشقوها. لنصل إلى يومنا هذا، يعود بعض جَهَلَة التاريخ للإعتقاد أن طريق القدس قد تمرّ في أي منطقة لبنانية من عوكر، أو جل الديب أو شكّا لهؤلاء نعيدهم الى مسار التاريخ الذي مهما تمهَّلَ فهو لا يرحم. والمجتمع المسيحي أصبح محترف تاريخ ويبقى الهدف المنشود دائماً وأبداً الحريّة.
في النهاية، السلام وتحقيقه وصيّة يسوع المسيح والمسيحيّون قومٌ يعادُون ويَصفحون عن أعدائهم بشرف ولكن شهادتُنا في سبيل لبنان وحريتنا محفورة في تاريخنا ومستعدون لها في أي وقت ولن نرضى بأن يُفرَضَ علينا طريقة عيشٍ تختلف عن مبادئنا وتعاليم كنيستنا. وللتاريخ نُذَكِّر، قال بطريرك الطائف مار نصرالله بطرس صفير: “نحن قومٌ أحببنا الحريّة وبدون حريّة لا يمكننا أن نعيش ونحن أُناسٌ لا توسُّطَ بيننا لنا الصَدرُ دونَ العالمينَ أو القبرُ “