بعد انقطاع، نتيجة سلوك الحزب وتصريحات وزراء يدورون في فلك محور الممانعة تجاه السعودية ودول الخليج، عادت الروح إلى العلاقات اللبنانية الخليجية، ولكن هناك أسئلة مطروحة لاستمرار العلاقة، هل يستطيع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تنفيذ الوعود التي قطعها تجاه الدول الخليجية، وهل قادرة الحكومة عل لجم هجوم الحزب المتكرر على المملكة العربية السعودية؟
ويبقى الأهم، أن يتصرف رئيس الجمهورية ميشال عون كرئيس لدولة عربية لا عبر سلوكيات “تحالف مار مخايل” تجاه العرب ودول الخليج، إذ أنه لا يزال يحاول اخذ لبنان عكس مسار التاريخ الطبيعي، ليضعه في الحاضنة الإيرانية خصوصاً بعد تصريحاته الأخيرة ودفاعه عن الحزب، في حين ان المطلوب واحد، “لبنان ينتمي إلى محيطه العربي، ودولة ذات سيادة حرة مستقلة يسودها قانون الدولة لا الدولية، وسلاحها الشرعي الوحيد بيد الجيش اللبناني.
وفي سياق عودة الحرارة بين لبنان والسعودية، مصادر دبلوماسية تكشف لموقع القوات اللبنانية الالكتروني عن أن هذا “الودّ المستجدّ” ليس وليد بيان ميقاتي، ذلك أن ما قاله الرّجل لم يقله للمرة الاولى، بل دأب على تكراره منذ تسلّمه مهمة تشكيل الحكومة. إلا أن الموقف السعودي الإيجابي هو نتاج مبادرة فرنسية تضطلع بها باريس منذ زيارة رئيسها ايمانويل ماكرون إلى الرياض في كانون الأول الماضي، لرأب الصدع بين لبنان والمملكة. هذا المسعى ـ الذي تنشط على خطه أيضاً جامعة الدول العربية الذي زار أمينها العام أحمد أبو الغيط لبنان منذ أيام قليلة ـ مرّ بـ”طلعات ونزلات”، على حد تعبير المصادر، لأن الرياض لم تكن مقتنعة بجدوى الاهتمام بالملف اللبناني من جديد. غير أن الاوضاع الكارثية اقتصادياً في البلاد، ومناشدات “أصدقائها” لها، بعدم ترك الشعب اللبناني وحيداً وبعدم تدفيعه ثمن القرارات الخاطئة للسلطة التي يهيمن عليها الحزب، لاقَت آذاناً صاغية لدى قيادات المملكة، فكان تجاوب مع طرح باريس انشاء صندوق لإرسال المساعدات “الإنسانية” إلى بيروت، وتحديداً الى المؤسسات “غير الرسمية” فيها.
أما الواقع السياسي في البلاد عشية الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل، فلَعِب دوراً كبيراً، لا بل الدور الأكبر، في عمليّة مراجعة الرياض حساباتها. فبعد تعليق رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري عمله في الحياة السياسية، وفي ظل فائض قوة إيران لبنانيّاً عبر الحزب، تخشى المملكة تركَ الساحة اللبنانية “سائبة” للجمهورية الاسلامية بما يساعدها، بفعل دعمها المالي والمادي المفتوح للحزب وبالتالي لحلفائه، على تكريس سيطرتها على اللعبة الداخلية وتجديدها لـ6 سنوات إضافية. انطلاقاً من هنا، يبدو الرياض ارتأت العودة الى لبنان لإعادة التوازن المختلّ إلى “البازل” المحلي. لقراءة المقال اضغط على هذا الرابط: خاص ـ تفعيل المملكة نشاطها “إنسانياً” يعقّد رهانات إيران انتخابياً… 8 آذار نحو اجهاض العودة؟
توازياً، أشارت مصادر سياسية مسؤولة إلى ان ما حصل من عودة العلاقات اللبنانية الخليجية هو مرحلة اولى، يفترض ان تليها مراحل أخرى مكمّلة لها لتتدرّج هذه الايجابيات السعودية والكويتية الى خواتيم سعيدة. وفي هذا الاطار سجلت المصادر عبر “الجمهورية ملاحظتين:
- الأولى، ان الكرة في ملعب الجانب اللبناني، فالترحيب السعودي تحديدا ببيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مهم جدا، ولكن من الخطأ اعتباره، اقله حتى الآن، ينسحب على الحكومة.
-
الثانية، ان هذا الترحيب قابل للتطور اكثر وفقاً لكيفية تلقفه لبنانياً، بمعنى انه مع كل ايجابية لبنانية تقابلها ايجابية خليجية. حيث انه يلقي على الجانب اللبناني مسؤولية الايفاء بالالتزامات التي قطعها رئيس الحكومة في بيانه. ولعل الاهم في هذا السياق الوقف النهائي للهجومات السياسية على السعودية ودول الخليج، من قبل “الحزب” وبعض حلفائه. فهنا يكمن الاساس، فهل الحكومة قادرة على وقف هذا النهج الذي يعتمده “الحزب”؟
وفي الغضون، أكدت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” ان الفرنسيين والاوروبيين لم يكونوا وحدهم على هذا الخط، بل ان الاميركيين كانوا في قلب الصّورة، خصوصاً ان واشنطن كانت شريكة مع باريس في الدعوة الى اعادة سريعة للعلاقات ودخول لبنان في حوار مع دول الخليج، وهو ما صدر علنا عن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ووزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن”.
وفي المقلب الآخر، استرعت الانتباه أمس مضامين العظة التي تلاها رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الكرسي الرسولي الكاردينال ليوناردو ساندري، على مسامع رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل عودته إلى بيروت، خلال ترؤسه قداساً على نية لبنان في دير مار شربل التابع للرهبانية اللبنانية المارونية في روما، اذ اعتبرت أوساط مراقبة أنّ “عظة” ساندري البابوية نسفت كل “المواعظ والرسائل السياسية” التي حاول تمريرها عون خلال زيارته روما والحاضرة الفاتيكانية، لا سيما لناحية دفاعه عن سلاح الحزب والترويج لضرورة تعايش المسيحيين مع وجود هذا السلاح خارج إطار الدولة، تحت شعار “عدم تأثيره” على الوضع الداخلي في لبنان.
وفي المقابل، حرص ساندري في عظته على تأكيد أهمية الحفاظ على “هوية” الكيان اللبناني، مشدداً على وجوب أن يبقى لبنان “أميناً لهويته بين مختلف دول الشرق الأوسط، وعليه الخروج من أزمته الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تضربه منذ فترة والتي ضاعفت خطورتها التداعيات الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب”، ليوجه بهذا المعنى رسالة بالغة الدلالة قال فيها إن “التنكّر للايمان يُفقد الهوية، والبحث عن الأمان عبر التحالف مع الطغاة يدمّر الهيكل ويسبي الشعب”، داعياً بشكل غير مباشر المسؤولين اللبنانيين إلى “القيام بفحص ضمير عميق”، مع تحذيره من أنّ “لبنان المنارة المرفوعة على جبل والمطلوب منها أن تشعّ في العتمة، تغدو علامة اضطراب وتعمية لسائر الاخوات والاخوة في البشرية”.