في فجر الاعتداء الرّوسي على أوكرانيا، تسابقت عقول المحلّلين حول صفقة أمريكا روسيا، وموقع لبنان فيها، وتوقّعوا جميعهم أنّها ستكون على حساب لبنان السّيادي، لصالح الممانعة.
يومّها صرحتُ في لقاء عبر تويتر، أنّ روسيا لن تنجز شيئًا، وفرح المتابعون بغبائي، وسخروا من رأيي. وها قد تحقّق ما قلته.
وإلى اليوم لم يستقبلني أحد لفهم ما حصل هناك، وكيف تحقّقت آرائي.
خسرت روسيا في أوكرانيا.
وقد يستغرب البعض من عبارة “خسرت”. نعم فالرّبح الذي يأتي خارج إطار الخطّة الموضوعة خسارة قاتلة.
فقد انتصر العراق على ايران بعد ثمان سنوات، لكنّه خسر العراق كلّه، وخرج منهكًا، ما أدّى الى ما هو عليه اليوم.
خسرت روسيا الحرب، وقرّرت نقلها من أوكرانيا إلى السّودان بإيعاز صيني.
وافق هذا الأمرُ الأوروبيّين، وليكن اللّعب حيث مصالح الجميع، المهم أن نبعد الدّمار والهلاك عن الأراضي الأوروبية.
سيكون ما يحصل في السّودان تتمّة لما بدأ في ليبيا، وهكذا أصبحت مصر المحاصرة الحقيقية في أفريقيا، بين:
ليبيا غير مستقرّة غربًا.
سودان مشتعل جنوبًا.
ومن ورائه إثيوبيا المالكة لمغاليق المياه عن مصر
وشرقًا إسرائيل الرّاغبة بالتّوسع.
معارك السّودان تخدم أمريكا في طرد الصّين الّتي بدأت منذ عقدين الاستثمار في أفريقيا، وفي السّودان تحديدًا.
الصّين الّتي لا تحارب مباشرة، أوكلت المهمّة للرّوس، وحلفائهم في السّودان، وقريبًا لحلفائهم في الشّرق الأوسط، إيران وأذرعها.
في إفريقيا صراعات مطمورة، متى يكشف عنها؟! قريبًا جدًا.
فرنسا تصرح بحقّ المغرب الكامل بالصّحراء الكبرى.
تنامي شعور الأمازيغي برغبة الخروج من العباءة العربيّة.
الجزائر دولة تكنّ كل مشاعر غير الود للمغرب، وقد خرج منها كثير ممّن قاتلوا في أفغانستان، وسوريا، والعراق.. إلى جانب انتشار الإخوان المسلمين، فيها وبكثافة، وهو تنظيم يلتقي مع إخوان مصر، وإيران.
تونس المتعثّرة بعد ثورة الغنوشي.
الصّين تريد البحر الأحمر، وقناة السّويس. خاصٌة بعد خنق مشروع طريق الحرير إلى أوروبا وفيها.
إسرائيل تريد تأخير وصول الغاز الرّوسي، الإيراني العربي، إلى أوروبا.
ومالكوا الغاز في المنطقة، يريدون إغلاق الطّريق على الغاز المصري الإسرائيلي.
وستكون قناة السّويس خارج الخدمة لتعطيل مرور النّفط العربي عبر السّويس.
التّقارب السّعودي السّوري، يهدف إلى ترتيب وضع لبنان الّذي يملك مصبّين للنّفط السّعودي في طرابلس والزهراني، سيؤمّن البدائل في حال إخراج قناة السّويس من العمل، وليس بالضرورة كليًّا.
للرّافضين لهذه القراءة، المنطقة في خلط أوراق جديدة
لبنان سيستعيد بعضًا من استقراره.
والسّلام مع اسرائيل إلى استكمال خطواته.
وما يحصل في السّودان يؤكّد بلوغ مرحلة متقدّمة من الحرب العالمية القادمة، وبين حقول القمح الأوكرانية، ومناجم الذّهب الأفريقية، سيكون النّفط والغاز محور الصّراع، والفقراء وقودها الّذي يعزز ثراء تجارات السّلاح والمخدرات والرّغيف والدواء الأعضاء البشرية.
عمر سعيد