من اليوم فصاعداً “سنأكل بالدَّين”!
في سابقة لم يعرفها لبنان، اضطرّت الدولة اللبنانية إلى الاستدانة لإطعام مواطنيها، إذ اقترضت من البنك الدولي 150 مليون دولار لشراء القمح والحفاظ على سعر ربطة الخبز. ورغم بلوغ الانهيار هذا العمق، إلا أن وزير الاقتصاد يرى في الاقتراض من البنك الدولي بهدف تمويل الحاجات الغذائية خبراً «سعيداً» يبعث على الطمأنينة.
أعلن وزير الاقتصاد أمين سلام، أمس، بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء أن البنك الدولي وافق على منح لبنان قرضاً طارئاً وميسّراً بقيمة 150 مليون دولار بغرض «تأمين حاجة لبنان من القمح والحفاظ على سعر ربطة الخبز وترشيد هذا القطاع لتحسين إدارة استيراد القمح وتوزيعه». واحتفى بالأمر من خلال القول إن «هذا أول قرض يصدر عن البنك الدولي بهذه السرعة وخاصة بعد الأزمة الروسية ــــ الأوكرانية». سرعةٌ رآها الوزير أحد العوامل التي تبعث على السعادة والأمان والثقة، لكنها تؤشر فعلياً إلى قلق من مسار الأزمة وإدارتها.
وبحسب المستشار في التنمية ومكافحة الفقر، أديب نعمة، فإن الاقتراض من أجل تأمين الخبز «سابقة لم يعرفها لبنان في تاريخه، حتى طوال فترة الحرب الأهلية. وهذا الأمر يضعنا في مصاف الدولة الفاشلة العاجزة عن توفير القوت لشعبها». ويلفت إلى أن الخطير في الموضوع هو أن العقلية نفسها التي أودت بنا إلى الهاوية لا تزال سائدة ومتحكمة، إذ «كيف يعقل أن نستدين مجدداً ونحن أعلنّا في آذار عام 2020 تخلّفنا عن الدفع؟ فمن غير الطبيعي أن نعود إلى الاستدانة وأن يوافق البنك الدولي على إقراضنا. عادةً لا يقرض البنك الدولي في مثل هذه الحالات، إلا بشكل استثنائي جداً».
كان يمكن تجنّب سيناريو كهذا لو جرت إدارة الأزمة بشكل مغاير طوال عامين ونصف عام، وهو ما أشار إليه بوضوح تقرير المقرّر الخاص للأمم المتحدة أولييفيه دي شوتر، أول من أمس، في إطار الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان. وقد أشار بوضوح إلى أن إفقار السكان جرى بشكل «مفتعل» موجّهاً الاتهام للقيادة السياسية على النطاق الواسع ولمصرف لبنان وللمصارف التجارية. ويلفت أحد الخبراء المطّلعين على العلاقة مع البنك الدولي إلى «أننا حين كنا نستفسر لماذا يواظب البنك على إقراض لبنان وعدم منحه هبات، كان الجواب أن لبنان ليس من الدول الأكثر فقراً التي تستفيد من الهبات، رغم أن دخلنا أصبح يماثل دخل الدول الأفريقية جنوب الصحراء الأشدّ فقراً».
الضغوط المعيشية ستزيد بعد الانتخابات النيابية
ويرى الخبير أن «الاقتراض هو الحلّ الأسهل والأسرع لدى المسؤولين، رغم توافر عدّة حلول بديلة كان بالإمكان اللجوء إليها، والتي لا ترتّب على الدولة أيّ كلفة تذكر، مثل التواصل مع دول صديقة جاهزة للمساعدة ومنها روسيا مثلاً التي نستورد منها أساساً أكثر من 80% من حاجتنا من القمح مقابل العملات المحليّة أو عبر المقايضة كما حصل مع العراق في ملف المازوت. لكن، ربما قد تكون الظروف الدولية الراهنة والقيود السياسية هي التي دفعت في اتجاه الاقتراض من البنك الدولي».
في هذا الإطار، يتخوّف نعمة من أن يشرّع الاقتراض من البنك الدولي الباب واسعاً أمام حالات اقتراض أخرى في المستقبل، وهو ما قد يؤدي إلى إغراقنا في الديون مجدداً واستنزاف مواردنا الداخلية إلى أن نصبح على الأرض وتضطرّ الدولة إلى بيع أصولها». ويشدّد على أن «الضغوط المعيشية ستزيد بعد الانتخابات النيابية في حال إقرار الموازنة واعتماد خطّة نهوض اقتصادية والزيادة المتوقعة في أسعار الخدمات والرسوم».