من هو سمير جعجع؟ من هو ميشال عون؟

لنعترف. تتنازع المسيحيين اتجاهات فكرية متعددة. سأتناول اتجاهين كبيرين في الرأي العام المسيحي، يمثلهما شخصان هما سمير جعجع وميشال عون.

في البدء:

ما الذي جمع جعجع وعون بإشراف بشير؟

الاختلافات:

1- في قرارة نفسه يعلم عون أن القضية المسيحية كوجدان، موجودة عند “القوات اللبنانية”، وأنها سليلة التاريخ المقاوم للمسيحيين. من هنا الحقد عليها. هو كان دائماً “رد فعل” عند الذين أيدوه صادقين. ومُستودع “الحردانين”، والمطرودين من مؤسسة القوات، ومن لم يجدوا مكاناً لهم فيها، يُضاف إليهم بقايا خصوم الكتائب والقوات، في لعبة السلطة بين الأحزاب المسيحية. عندما أعلن حقده على القوات اللبنانية في الثمانينيات، رفع مرة كُتيب “نحن والقضية” للقوات اللبنانية. أراد القول “أنا قائد المقاومة اللبنانية الجديد”. ولكن للدخول إلى الوجدان شروط، ولا يكفي تشويه السمعة والصورة للقوات. وأثبتت الوقائع أن من حاول الإيحاء بأنه “مقاوم لبناني”، تحالف مع “المقاومة الإسلامية”، وصادق النظام السوري عندما وجد مصلحة عابرة. موقفه من النظام السوري، مُضحكٌ مُبكٍ. هو يقول “أنا كنت ضد النظام عندما كان يحتل لبنان، أما وقد عاد إلى سوريا، فلا موجب للخصام”! بمعزل عن بقاء النظام بالواسطة، والأزلام، تصوروا أن يقول الفرنسيون بعد انسحاب هتلر من فرنسا، حسناً لقد انسحب، فلنمد له يد الصداقة، ولا موجب لمحاكمة الجنرال بيتان! وتمادياً في “تصغير القضية” ربط عون رقبته بحبل المطالبة “بحقوق المسيحيين” في الوظائف. غفل عن أن الوجدان المسيحي لا يُكتسب بالوظائف الكثيرة بالدولة، هذا تصغير وتشويه للقضية المسيحية. بدليل ما يُقال له من أكثر من طرف هذه الأيام: عندك نواب ووزراء وموظفين ورئاسة الجمهورية وتحالفات طويلة عريضة، وها نحن في أسوأ حال منذ 1920! ليس “للعونية” شهيد واحد منذ وجدت “العونية”. على تضحيات شهداء القوات اللبنانية، وشهداء الجيش اللبناني أيام قيادته له، أراد بناء سلطته. لا يوجد “للعونية” “غابة شهيد”. لا مكان “للعونية” في قنوبين، في إيليج، في بيت الكتائب بالأشرفية، في طبرية. لا يوجد، عندهم لا وليم حاوي، ولا بشير، ولا كيروز بركات، ولا ديب مطر، ولا كرم صدقة، ولا رمزي عيراني. إذا أراد صهر عون وضع إكليل من الزهر، أين يضعه؟ لن يجد قبراً ليضعه. سيضعه على “لوحة حجر” لـ”13 تشرين”، على “نصب” “للجندي المجهول”، وهو مجهول فعلاً، فشهداء الجيش مُلك “الوطن الحالي”، وليسوا مُلك “القضية اللبنانية”.

2- “عقدة أوديب” تضرب من جديد، “الأم السياسية الأولى” أي صيغة43، أوصلته إلى المناصب، وقتلها في “اتفاق الطائف”. وهذه المرة وفي كل مرة، المطلوب “قتل” ماضي القوات وإرثها، وجلب “قضيتها” إلى السرير لاغتصابها، ليتحول “أوديب ملكاً”. ولكن هذا “الأوديب الرئيس”، أسدلت رئاسة الجمهورية الستارة على مسرحيته. ها هو مكروه ومرذول من مسيحيين ومسلمين، يفوق عددهم يوم اعتبره مسيحيون ومسلمون “خشبة خلاص”.

3- عقدة الاضطهاد، وجنون العظمة متلازمان في المعتاد. “قضية عون” كبيرة، ومفعمة بالشعارات إلى درجة توجب وجود أعداء كونيين. مؤامرة دولية. العالم ضدي. تعاطفوا معي. أنا أحمل أحمالاً ثقيلاً عن شعب لا يعرف ما أُعانيه”. الإعلام متحامل. ذئاب السارقين والفاسدين تنتظر أن تفترسني… هل سمعتم مرة بشير أو سمير أو كميل شمعون أو بيار الجميل يتاجرون بهذا النَفَس السياسي؟ تعرض كميل وبيار لمحاولات اغتيال عدة، ولا مرة تاجروا أو حتى ذكّروا بها. عندما فجّر إيلي حبيقة، حليف عون في الاتفاق الثلاثي، مقر الجبهة اللبنانية وجُرح شمعون الرجل الثمانيني، قال: “هاتوا قلماً وورقة لنُكمل البيان”، وكتب ما معناه “لن نرضخ للاتفاق الثلاثي”. من فيلا في المنفى، إلى فيلا في الوطن، إلى قصر تنقَّلَ الناقم. وقال للناس هاجروا أو أُهاجر، تلك هي المسألة. ومن قصر إلى شقة ليست له، بقي شمعون بطريركاً سياسياً و”فخامة الملك”. تخبرني قريبتي الراهبة التسعينية التي كانت تُعاون السيدة الأولى زلفا شمعون الأرستقراطية، أنها دخلت عليها مرة إلى غرفة النوم ووجدتها جالسة على السرير ترتق بيديها “كلسات الرئيس شمعون”. كانت أيام.

العبرة:

سيترك عون قصر بعبدا، ويُذْكَرُ عسكرياً على شاكلة الديكتاتوريين في أميركا الجنوبية، يصفّق لهم كثيرون قبل أن يكرهوهم لأنهم لم يفعلوا شيئاً مفيداً. هذا العسكري لن يُذكر بالخير كالأمير واللواء والرئيس فؤاد شهاب. سيضعه التاريخ قرب إميل لحود.

النهاية:

مما لا شك فيه أن “نزعات عون” موجودة في نفوس وعقول رأي عام مسيحي عريض، وإلا لما حصد هذا الرجل هذه الشعبية. الشعب الألماني برغم كل مستواه في العلوم والفنون، صفق لهتلر، واليوم يضع الألمان هذا الديكتاتور في أسفل درك. “ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي. آمين”.

Exit mobile version