“نكسات” برّي تتوالى: ولّى زمن “الأرانب”!

لم يخرج ما حصل في مجلس النواب أمس عن السياق العام لمنهجية قوى الثامن من آذار في تعاطي الشأن العام من منطلق امتهان لغة الاستقواء والاستعلاء في مقاربة الاستحقاقات ومخاطبة الشركاء في الوطن بلسان سليط فصيح في السب والقدح والتخوين وإصبع مرفوع بالتهديد والوعيد، وبهذا المعنى لم تكن “موقعة” اللجان بما ضجّت به من صريخ و”عييط” حدثاً غير مألوف وفق مقاييس الأداء النيابي الحافل بـ”أدبيات” 8 آذار التسلطية تحت قبة البرلمان… لكنّ الجديد في مشهدية الأمس تمحور في مدلولاته العميقة حول بلوغ هذه القوى حالة متقدمة من فقدان الاتزان وانعدام القدرة على كظم الغيظ نتيجة ترهّل قبضة استئثارها بإدارة دفة الحكم في البلد.

فمن اختلال التوازن في إدارة الجلسات الرئاسية وفقدان السيطرة على جدولة الجلسات التشريعية، مروراً بنكسة “الساعة الشتوية”، وصولاً إلى انهيار أعصاب معاونه السياسي علي حسن خليل في اللجان المشتركة، تتوالى “نكسات” رئيس المجلس النيابي نبيه بري على شريط الأحداث البرلمانية تحت وطأة تبدّل الأزمان التي كانت تغلّب كفة قوى الأمر الواقع على موازين القوى الناظمة للحياة السياسية بشكل ولّى معه زمن “الأرانب” التي لطالما تميّز بها أبو مصطفى ولطالما شكّلت “الماركة المسجّلة” في الدلالة على سحر سطوته على إدارة شؤون الدولة.

وفي التفاصيل، تعاطت مصادر نيابية مع مجريات إشكال جلسة اللجان أمس بوصفها “كريزة هستيريا” أطلق شرارتها نواب “التنمية والتحرير”، لا سيما منهم النائبان خليل وغازي زعيتر “بلا سبب ولا داعٍ”، فاستهلها الأخير بهجوم كاسح غير مبرّر على نقيب المحامين السابق النائب ملحم خلف متوجهاً إليه بإهانات سوقية من العيار الشوارعي الثقيل على شاكلة “متل صباطي” و”بدي إدعس راسك”، ثمّ تولى الأول الرد على مداخلة رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميّل بوابل من الشتائم والقدح والذم بشخصه وبعائلته متوجهاً إليه رداً على استغراب عملية تنظيره “في كيفية احترام الدستور والقوانين والقضاء” بالقول: “انت مجرم ابن مجرم ومن عائلة مجرمة وعمّك ملوثه يداه بالدماء”.

وبينما سارع خليل إلى محاولة تدارك الموقف خلال مؤتمر صحافي عقده إثر انتهاء الجلسة، مقابل محافظة الجميّل على رباطة الجأش مكتفياً بوضع ما حصل من “مسّ بالمقدسات” في عهدة رئيس المجلس، لم يتأخر بري في الاتصال برئيس “الكتائب” ساعياً إلى تطويق التشنج نتيجة سوء تصرّف معاونه السياسي ومؤكداً حرصه على “معالجة الأمر”، ثم أوفد نائبه الياس بو صعب إلى “الصيفي” حيث اجتمع مع الجميّل واتفق معه على “طريقة المعالجة”، بحيث خلص الموضوع إلى مبادرة خليل إلى الاتصال برئيس “الكتائب” معتذراً منه عن الكلام الذي صدر عنه ومبدياً له “كامل احترامه للشيخ سامي الجميل ولحزب الكتائب”.

وفي قراءة هادئة لما وراء إشكال اللجان، لاحظت مصادر نيابية معارضة أنّ نواب 8 آذار بدا عليهم “التوتر” بشكل واضح منذ لحظة انطلاق جلسة اللجان المشتركة، معربةً عن قناعتها بأنّ الهدف من وراء هذا التوتر يكمن في صعوبة إخراج عملية “تطيير” الانتخابات البلدية كما تريد قوى الثامن من آذار، ولفتت إلى أنّ رفض هذه القوى تمويل هذه الانتخابات من أموال حقوق السحب الخاصة “SDR” ما هو إلا مؤشر جلي على عدم وجود نية حقيقية بإجرائها.

وفي الإطار نفسه، نقلت أوساط ميدانية معطيات ومعلومات تفيد بأنّ الجوّ العام في القرى والبلدات المحسوبة على قوى 8 آذار، وتحديداً الثنائي الشيعي، تخيّم عليه مخاوف من مواجهة هذا الاستحقاق جراء التململ الشعبي والامتعاض الحاصل من أداء البلديات القائمة وتقصيرها في مواجهة معاناة الناس المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن وجود خلافات داخلية بين أبناء الخطّ السياسي الواحد، حول أحقية الترشيحات في صفوف المحازبين والمناصرين وممثلي العائلات المنتمية إلى هذا الخط.

Exit mobile version