هل استسلم اللبنانيّون؟
إنعكست مُختلف الأزمات الخانقة التي يعيشُها اللبنانيّون على مفاصل حياتهم وتصرُّفاتهم، ويبدو أنّ زمن الثّورة على الأرض وفي النفوس ولّى الى غير رجعة، وحلّ مكانها الإحباط الشّديد الذي قضىى على كلّ ذرّة أملٍ وبداية حُلمٍ في لبنان.
في ظاهرة يعتبر البعض أنّها تعكس حالة عدم الإكتراث واللامبالاة في صفوف اللبنانيّين، تعجّ المطاعم والملاهي بالزّوار الذين يحاولون أن ينسووا همومهم ومشاكلهم من خلال ما يُشبه السياحة الداخلية، ولكن مقابل هذا المشهد المُستغرب في بلدٍ منهارٍ إقتصاديّاً، تُشخَّص يوميّاً عشرات الحالات النفسيّة في العيادات لمواطنين لجأوا إليها كملاذٍ أخير لهم لمداواة جروحهم الدّاخليّة.
وفي محاولةٍ لتوصيف المَشهَدين المُتناقضين، تعتبرُ الاختصاصيّة في الطبّ النفسي دزيري قزّي أنّ “الحالات المُشتركة بين جميع اللبنانيّين هي النقص بالحماسة في ظلّ كل ما يحصل من حولهم، فضلاً عن غياب الأمل والشّعور باللامبالاة وغياب اللّذة”، لافتةً الى أنّ “الأفكار السلبيّة تُسيطر على غالبيّة المواطنين فهم يشعرون بعجزٍ كبيرٍ وبإحباط شديد نظراً لعجزهم عن إيجاد الحلول والمخارج لمختلف المشاكل التي يعيشونها”.
وتُفنّد قزّي في مقابلة مع موقع mtvمعظم الحالات النفسيّة التي تُعاينها، قائلة: “تنقسم هذه الحالات الى ثلاث فئات بشكلٍ خاصّ، أوّلا القلق الدّائم ممّا يحصل ومن الآتي من مفاجآت، ثانياً، الملل الدّائم والإستسلام التامّ، وثالثاً، الإكتئاب الذي يؤدّي الى أفكارٍ إنتحاريّة، والمفارقة هي أنّ الرجال هم الأكثر شعوراً بالاكتئاب ويرغبون بإنهاء حياتهم إذ يعتبرون أنّ مسؤوليّاتهم كبيرة وهم يعجزون عن تأمين حاجات أفراد عائلاتهم”.
وتتطرّق قزّي الى الشباب في لبنان، وهنا على حدِّ قولها، هي “الظاهرة الأخطر”، إذ إنّ هؤلاء باتوا يسألون: “لماذا لا يحقّ لنا أن نتعلّم في جامعات محترمة؟”، “لماذا ندرس ونتعلّم إن كنّا سوف نتقاضى راتب مليوني ليرة بعد التخرّج؟”، والأسوأ “هو أنهم باتوا يتشبّهون بالزعماء في لبنان، ويعتبرون أن الفساد والسرقة هما الطريقة الوحيدة للوصول ولعيش حياة كريمة في هذا البلد”، تُضيف.
وردّاً على سؤالٍ حول الأطفال، تُجيب أنهم باتوا يطرحون على أهاليهم سؤالاً موحَّداً “لشو جبتونا على هالحياة؟”، معتبرة، في ختام حديثها أنّ “الحروب التي عاصرتها الأجيال القديمة كانت أقل حدّة نفسيّاً، إذ إنّ المواطن كان يعيش بكرامته في تلك الحقبة وكان يعرف أنّ الحرب سوف تنتهي في نهاية المطاف، على عكس ما يحصل اليوم. باختصار، إنها حالة استسلام جماعيّة”.
يعيش اللبنانيّون الاستسلام بكلّ أبعاده، على عكس السياسيّين والزّعماء الذين لا يزالون يعملون بحماسة لتجديد عهودهم السياسية بدلاً من تطبيق العهود التي قطعوها للناس وأمام مذبح الوطن… فمتى يستسلم هؤلاء؟