لم ينلْ وداعك من قبلُ إلا الاسكندر الكبير وقبل الميلاد بأكثر من ثلاثة قرون.
حُمِلَ جثمانه من العراق إلى الاسكندريّة فوق أكفّ النّاس بحفاوة أصّلت طريقه في التّاريخ.
كنت أتابعك اسكندراً عائداً من عين غدر حَمِئَة.. أتابعك وأغبِطُك على ما حُزْتَ عليه من حب، ورفاقية كرّمتك.
غَبطتُك، وما خلعتُ حزني وأسفي على ما حصل.
لقد أغدق الله عليك محبّة الخالق والمخلوق، إذ استقدمك إليه في مطلع الرّبيع، لئلا يئفُّ مودّعوك من مشقّة برد أو حرّ.
فشكراً لك أنّك منحتنا فرصة للوداع والحبّ والبكاء وإستعذاب طعم الشّهادة والالتزام.
وشكراً للقوّاتيين، وقد جعلوا من عودتك محجّة وطنيّة، وطوافاً ربيعيّاً يليق بمسافرٍ صوب الله.
شكراً لهم أنّهم صنعوا من الموت منصّة انطلاق نحو الوطن، ومن الشّهادة مرتبة ترنو إليها أعين النّاظرين.
لقد جعلني رفاقك يا باسكال أتمنّى مِيتَتَك..
فما أجمل نعشك يتراقص فوق السّواعد!
وما أجملها من عودة، غصّت دروبها بالمنتظرين!
يهتفون الوطن، وينشدون الحرّية، ويَعِدون بتأصيل الأرض في الإنسان.
وما أبهاه من عبور! نلته وسط غابة من أعلامنا البيضاء وأكفّ الملوّحين بالوداع.
أَرُزّ وورود وبخور ورذاذ عطرٍ وزغاريد فرح؛ مزّق عربها الحزن، ودموع ومناديل بيضاء، وأكفّ تقبض على حبال؛ تَصِلُ الأرض بالسّماء، يتسلّقُها رنين أجراس كنائس أجدادك الذين ما ملّوا صليبهم، ولا ملّوا تمجيد الله في شرق؛ يأكل المؤمنين المؤمنين مذ أن كان يسوع.
فارقد بسلام يا رفيقي، فقد بات لنا وطن جُنْده في الأرض ملائكةُ الله في السّماء، ولروحك المجد والخلود.