عيد الاب….في وقت مستقطع من كل ما يمت اليكم بصلة، اخترع لغة الحنين لأحكي عن أبي، عن كل أب في هذه الارض المغروزة تناقضات. حب وكراهية، حقد وتسامح، دمع وبسمات، ايمان وكفر…الكثير منه. في وقت مستقطع اتذكّر اني ابنة ابي، يعني حسبي ان أحب فكيف أخذتني الايام الى غير موجة؟! يمر الوقت، العام الماضي كنت اكره أكثر وقبله أكثر وقبله وقبله اكثر واكثر، الان اتقرّب أكثر من وطني، أعانق الذعر عليه، فأجد أبي يقف خلف كل التفاصيل، واحلاها فضيلة التراجع عمرا بعد عمر عن جنون الكراهية المفترضة. هو نضوج الحب.
انت تقول لي دائماً “عملي كل شي صحّ واتركي الباقي عـ ربّك”. انت تخاف علينا كثيراً لكنك تصلي لنا أكثر مما تخاف. أنت تعيش الغضب الكبير، ليس لانك عصبي المزاج، لكن لانك خائف على الارض التي زرعت، والبيت الذي بنيت، والعمر الذي غرزته أطفالا وأجيالا ليرثوا عمر الحب والانتماء.
“انتبهي عـ حالك ما تتهوري بالحكي والكتابة”، دائما تردد هذه العبارة، وانا لا أفعل كالعادة، لا امتثل دائما “بأوامر” المحبة الصادرة من بياض القلب النابض حباً فحباً فحباً. لو كلنا نفعل ما يطلبون لما كنا الآن نغرق في بحر الخوف والضياع.
اقف الى تلة وطني اسمع الاخبار، اراقب دروب لبنان، يا الهي أين تسكن قلوب الاباء وسط كل هذا الدمار المدوي؟ ليست المباني يا ابي هي المدمرة لكن قلوب ساكنيها. لبنان يغزوه الرمادي المائل الى الاسود. في كل مكان دخان وان كانت لا السنة لهب. لون الفساد والحقد يأكل الاخضر. لا قلوب لاباء حقيقيين هنا ولا لامهات مضحيات، حيث الاسود يحتل لا تسكن طهارة المحبة.
هذا وطن يتعمد اخلاء قلبه منكم كي لا تحكمه المحبة. ومع ذلك، في الوقت المستقطع، يبقى في كل ضيعة، تحت شجرة كرز، أو لوزة تنوء بالخير، او سنديانة تعشق التراب، لا أجد سوى عينيك وعيني كل أب مزروع بعمر هذه الارض، التي دُرزت ذات تاريخ مقدّس بدعسات السيد المسيح، وعندما تقبلني عيناك أهدأ وأعرف ان الخوف موقت، والارض ستبقى لنا كما انت ستبقى ابي حتى لو انتهى زمني…