“الحزب” يستهدف جهود ميقاتي.. وهذا ما يُراهن عليه باسيل
تخشى الأوساط السياسية من أن تؤدي ملاحقة القاضية غادة عون لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولعدد من المصارف والتي تغلب عليها الشعبوية وبالتزامن مع الادعاء على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من قبل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي في ملف أحداث الطيونة إلى انزلاق لبنان نحو مزيد من الأخطار التي تهدد إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في 15 أيار المقبل، بخلاف إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على إنجازها من دون أي تأخير.
وتلفت الأوساط السياسية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن توقيت فتح الملفات يتعارض مع تهيئة الأجواء الطبيعية لتمرير الاستحقاق الانتخابي، ويفتح الباب أمام افتعال اضطرابات أمنية وسياسية من شأنها تهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار، خصوصاً إذا استمر تحليق سعر صرف الدولار في ضوء استحالة السيطرة عليه في ظل الحملة التي تستهدف النظام المصرفي وتقويض ما تبقى لديه من ركائز بذريعة الحفاظ على أموال المودعين وعدم قدرة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على التدخل في الوقت المناسب، خصوصاً أن الملاحقات القضائية ما زالت محصورة بالمصارف ولم تنسحب على ملف الكهرباء وغيره من الملفات.
وتشير الأوساط السياسية بأصابع الاتهام إلى الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية الذي يدين بالولاء لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل متهمة إياه بأنه يقف وراء فتح الملفات لعله يتمكن من فرض تأجيل إجراء الانتخابات، وتسأل: كيف يوفق هذا الفريق بين تمسكه بإنجازها في موعدها وبين مواصلته تفخيخ الأجواء التي لا تخدم الحفاظ على الاستقرار كشرط لتمرير الاستحقاق الانتخابي؟
وتبدي الأوساط نفسها تخوفها من أن يكون الفراغ هو الخيار الوحيد لباسيل الذي لا يزال يراهن على حصول تطورات يستطيع من خلالها رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه لأنها تبقى شغله الشاغل ويعطيها الأولوية وتكشف بأنه يقف وراء تأخير استئناف المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية في جنوب لبنان بوساطة أميركية وبإشراف الأمم المتحدة.
وترى أنه لم يكن من جدوى لإصرار رئيس الجمهورية على تعديل المرسوم 6433 الخاص بالحدود البحرية وترسيمها، طالما أنه بادر إلى صرف النظر عنه، وتقول إن اجتماعه برئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي الذي خُصص لتحديد موقف لبنان من الاقتراح الذي تقدم به الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين انتهى بلا نتائج ملموسة، وتسأل: مَنِ المستفيد من هدر الوقت؟ ولماذا حاول الرئيس عون القفز فوق اقتراح الرئيس بري الذي كان وراء التوصل إلى اتفاق الإطار لبدء المفاوضات غير المباشرة.
وتؤكد أن لا مجال إلا بالعودة إلى خريطة الطريق التي رسمها الرئيس بري، وأن التذرع بتعديل المرسوم 6433 لم يكن في محله، وأن مجرد استحضاره يصب في مقايضة تعديله مع رفع العقوبات عن باسيل، وهذا ما كان يُبحث من تحت الطاولة من وراء ظهر الفريق اللبناني المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين قبل أن يُحال إلى التقاعد، وإلا لماذا الصمت حيال ما صرح به من معلومات تستدعي من عون وفريقه السياسي الرد عليها؟
وتضيف الأوساط نفسها أن باسيل بصرف النظر عن كل ما يقوله في العلن عن استعداده لخوض الانتخابات وصولاً إلى إعلانه عن أسماء مرشحيه لخوضها، فإنه لا يزال يراهن على كسب الوقت لعل تأجيلها يدفع باتجاه حصول تطورات تسمح له برفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وتنقل عن مصدر نيابي بارز قوله بأن لا مصلحة لباسيل في أن تجري الانتخابات في موعدها، ما دامت العقوبات تحاصره من جهة، وما دامت النتائج التي ستسفر عنها لن تكون لمصلحته لأنها لن تعيده إلى البرلمان على رأس أكبر كتلة نيابية في ضوء الترجيحات التي تتحدث عن تراجع شعبيته في الشارع المسيحي.
وتتابع أن بري يصر على إجراء الانتخابات في موعدها وسيتصدى، كما يقول المصدر النيابي، للمحاولات الرامية إلى ترحيلها وتحديداً من قبل باسيل، بعد أن تأكد أن حظوظه في الوصول إلى رئاسة الجمهورية أخذت تتدنى، خصوصاً أن الدعم غير المشروط الذي يؤمنه له حليفه «الحزب» باستخدامه فائض القوة الذي يتمتع به للضغط على حلفائه بضرورة الاستجابة لكل ما يطلبه باسيل لتعويم نفسه في الشارع المسيحي يبقى تحت سقف عدم التزامه بترشحه لرئاسة الجمهورية.
وتلفت إلى أن الثنائي الشيعي ليس في وارد توفير الغطاء لباسيل لتأجيل الانتخابات لأنه يرى نفسه الأقوى ويستطيع أن يمارس نفوذه الذي يسمح له بأن يكون الناخب الأول في رئاسة الجمهورية، مع أن عون خصص القسم الأكبر من زيارته للفاتيكان في دفاعه عن «الحزب» وسلاحه، نافياً أن يكون له أي تأثير على الواقع الأمني للبنانيين، ومؤكداً أنه يستخدم سلاحه في مقاومة إسرائيل، وهذا ما دفع بالبطريرك الماروني بشارة الراعي للرد عليه بسؤاله عما يفعل في الساحات العربية.
فرئيس الجمهورية حرص على تلميع صورة «الحزب» وتبييض صفحته بتبرئته من استخدام سلاحه في الداخل، فيما اختار القاضي عقيقي التوقيت المناسب في ادعائه على جعجع وبعد أقل من أسبوع على قول الأمين العام لـ«الحزب» حسن نصر الله: «إن من يتحالف مع (القوات اللبنانية) في الانتخابات إنما يتحالف مع من قتلوا ضحايا حادث الطيونة»، ما اضطر جعجع للرد عليه بقوله: «إن من ينتخب (الحزب) ينتخب قتلة الرئيس رفيق الحريري».
وتسأل مصادر في قوى 14 آذار سابقاً: ألم يكن من تلازم بين هجوم «الحزب» على جعجع وبين ادعاء القاضي عقيقي عليه بذريعة أنه توافرت لديه معطيات جديدة تبين أن من أدلى بها كان قد انشق عن حزب «الوطنيين الأحرار» وهو يدور حالياً في فلك الفريق السياسي المحسوب على باسيل؟ وهل كان توقيت الادعاء لا يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتهديد السلم الأهلي، خصوصاً أن ما صدر عن نصر الله يراد منه تحريم التحالف الانتخابي مع جعجع، وتحديداً من قبل المرشحين الشيعة من جهة، والتعامل معه على أنه بمثابة تكليف شرعي للناخبين الشيعة بعدم انتخاب مرشحي القوات؟
وتقول المصادر نفسها إن التوقيت الذي اختير للادعاء على جعجع لم يكن صائباً، ليس لأنه يقويه في الشارع المسيحي فحسب، وإنما لأنه بلا مفاعيل سياسية تتجاوز الحاضنة الشيعية للحزب، ويمكن أن تنسحب على محازبي وجمهور «المستقبل» بتحريضهم على «القوات» على خلفية تأزم علاقته بزعيمه الرئيس سعد الحريري بعد أن جاء الرد سريعاً من التيار الأزرق بما يفسد على باسيل تعميق الهوة بين حليفي الأمس.
وعليه، فإن التوقيت الذي يثير أكثر من علامة استفهام حول الجدوى من فتح الملفات سيؤدي للعودة بالبلد إلى المربع الأول ما لم يبادر ميقاتي إلى ضبط إيقاع انفلاش بعض القضاة في فتح الملفات في التوقيت الخاطئ إلى جانب الإغارة السياسية التي نفذتها كتلة «الوفاء للمقاومة» (الحزب) من خلال بيانها الأسبوعي الصادر أول من أمس بتجديد هجومها على المملكة العربية السعودية من دون أي سابق إنذار وبلا أي مبرر سوى تطويق المبادرة السعودية – الكويتية حيال لبنان وإبطال مفاعيلها الإيجابية على السواد الأعظم من اللبنانيين التي قوبلت بارتياح من قبل ميقاتي لأنها تعبِّد الطريق لتصبح سالكة أمام وقف تصدع العلاقات اللبنانية – الخليجية كخطوة لا بد منها باتجاه تصويبها وتنقيتها من الشوائب.
لذلك لا يمكن عزل هجوم كتلة الوفاء للمقاومة على السعودية عن تلازمه مع وصول وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت لتمرير رسالة أقل ما يقال فيها بأنها تهدف لإلحاق لبنان بمحور الممانعة وعزله عن محيطه العربي وصولاً للإطاحة بدور ميقاتي باتجاه مضيه في تصحيح العلاقات اللبنانية – الخليجية.
ويبقى السؤال: هل ينزلق لبنان نحو تطيير الانتخابات؟ وكيف سيرد ميقاتي على إصرار القاضية عون على وضع يدها على صلاحيات القضاة الآخرين بتشجيع من «العهد القوي» وبغياب من يحاسبها قضائياً؟ علماً بأن التحضيرات لإجراء الانتخابات ليست تقنية وإدارية ولوجيستية وإنما سياسية بامتياز، وهذا ما يضع ميقاتي أمام مسؤوليته في إعادة لملمة الوضع ومنع استمرار التفلت القضائي الذي يراد منه تصفية الحسابات لمصلحة عون وفريقه السياسي الذي يدير الأمور من خلال «غرفة الأوضاع» التي يمكن أن تأخذ البلد إلى المجهول.