الدولة في الضاحية.. ضغوط البيئة و”الأمن الذاتي”

لا يُنظر الى المستجدات الأمنية في الضاحية الجنوبية، لجهة استدعاء الدولة ومؤازرتها من قبل “الحزب” و”حركة أمل”، على أنها حدث بلا مقدمات. فتطورات اليومين الماضيين، لجهة القبض على سارقين، وما تلاها من بيانات مجهولة صادرة عن الأهالي وتم ترويجها في مجموعات “واتسآب”، بدأت تهدد المنطقة من فلتان أمني، واتجاه نحو “أمن ذاتي” لا يستطيع “الثنائي الشيعي” تحمله.

فمع تعمق الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر في لبنان، وتفاقم أعداد العاطلين عن العمل، بدأت العصابات بالتشكل على الأراضي اللبنانية وزاد الخارجون على القانون من نشاطهم، مستغلين الضعف المتزايد للدولة.

ويعاني اللبنانيون في مختلف المناطق، السرقات وتجارة المخدرات والخطف مقابل فدية، أما الضاحية الجنوبية لبيروت فإنها تشهد أعلى معدلات السرقة والنشل وفرض الخوات، وهو واقع موجود فيها منذ ما قبل الأزمة الحالية، إلا أنه ازداد مؤخراً بشكل لم يعد سكان الضاحية قادرين على احتماله.

ينشر مواطنون يومياً في مواقع التواصل، شكاوى عن تعرضهم أو تعرض أقرباء ومعارف لهم للنشل أو السلب بقوة السلاح أو سرقة دراجاتهم النارية في الطرق اللبنانية، خصوصاً في الضاحية، مطالبين الدولة وأجهزتها الأمنية بالتدخل لوضع حد للسرقات، متذمرين من أن عدد المخافر وعناصر الأمن في الضاحية غير متناسب مع عدد السكان فيها.

وتفاقم الوضع مع القبض على أحد السارقين، خلال محاولة سرقة دراجة نارية، وتصويره في قبضة السكان يوم الأربعاء. تفاعلت الحادثة، وتناقلت مجموعات “الواتسآب” بياناً مجهول المصدر، يهدد باللجوء الى الأمن الذاتي ليل الخميس. يوم الجمعة، بدأت آليات الجيش اللنباني العبور بكثافة في الضاحية، الى جانب حواجز لقوى أمنية أخرى، تزامنت مع بيان مشترك لـ”الحزب” و”حركة أمل” عن مؤازرة القوى الأمنية، ودعمها في مهمتها.

والواقع أن الكثير من سكان الضاحية يحمّلون مسؤولية تردي الوضع الأمني، للحزب وحركة أمل، ذلك أن وجود لجان أمنية يمنع الدولة من القيام بعملها، حيث أن الاتفاقيات السياسية أعطت اللجان الأمنية الكلمة الفصل في الضاحية، في كل ما يتعلق بالأمن.

وبينما يتهم “الحزب”، الدولة، بالتراخي، ويؤكد أن الضاحية مفتوحة أمام الدولة للقيام بمهامها، يقول السكان إن المحسوبيات والواسطات تشكل عائقاً آخر أمام ضبط الأمن. فتتقاطع المصالح بين العشائر والأفراد الذين ينتمون إليها ويقومون بممارسات غير قانونية، وبين الحزب الذي يسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع العشائر والعائلات، لا سيما على أبواب الانتخابات، ولو على حساب الأمن والدولة.

في النتيجة ليس في الضاحية الجنوبية فقط، بل في لبنان كله، بات الخروج من المنزل ليلاً بمثابة مغامرة، الشعور باللاأمان مشكلة تتفوق على الوضع الاقتصادي المتردي وعلى باقي الأزمات التي يعانيها البلد، حيث يحتسب اللبنانيين كل خطواتهم، يتحاشون الطرق الفارغة، يحاولون قضاء مشاويرهم خلال النهار وعدم حمل أموالهم في الطرق.

اليوم يحتفي جمهور الثنائي بدخول الدولة، لكن الأمر مرهون باستكماله واستمرار تلك الحملات، منعاً لأن تنتهي الحملات كما انتهى سواها في ربيع العام 2017.

زر الذهاب إلى الأعلى