السرقة والنشل: مسلسل واقعيّ في ظلّ تلاشي الدولة
ينام اللبنانيون على أخبار سرقة، ويستيقظون على أخبار اقتصاص فردية من سارقين، لتتحوّل أحاديثهم اليومية إلى نصائح وبحث عن سبل شخصية للحماية. القوى الأمنية تحاول الطمأنة من خلال نشر أخبار يومية عن عمليات توقيف لسارقين، لكنها تبقى إنجازات دون المستوى المطلوب.
باتت أخبار السرقات وعمليات النشل بقوة السلاح شبه يومية، تحصل في وضح النهار وبوقاحة، محوّلة حياة كثيرين إلى مسلسل رعب. وتؤكد أرقام «المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي» هذه الأخبار من خلال تسجيلها ارتفاعاً في عدد جرائم السرقة والنشل المبلّغ عنها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بنسبة 21% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وبالتفصيل سجّلت هذه الفترة من العام الجاري 1745 سرقة في مقابل 1439 للفترة نفسها من عام 2021.
الدرّاجات النارية
في أقلّ من سنة فقدت ريم دراجتها النارية مرتين. اشترت الأولى لتسهيل تنقلاتها في بيروت، بعد ارتفاع أكلاف النقل والمحروقات. تعترف ريم بأنه عندما فُقد «الموتو» في المرة الأول في فرن الشباك لم تكن اتخذت احتياطاتها لحمايتها. تقدّمت ببلاغ في المخفر من دون جدوى. نصحها البعض بالتواصل مع السارقين المعروفين في المنطقة «رأيت الأمر عبثياً بداية أن أتواصل مع السارق، ولكنّي علمت أن لكل منطقة سارقيها المعروفين وهم لا يضاربون على بعضهم، وأنه في العادة من يتعرّض للسرقة يعرف الوجهة التي عليه أن يقصدها ليستعيد مسروقاته بثمنها كلّه أو بنصف ثمنها!».
يومها «تواصلتُ مع كلّ الحرامية ولكني لم أجد عندهم الموتو». اعتبرت ريم أنها تعلّمت الدرس، وعندما اشترت دراجة نارية جديدة زوّدتها بمنبّه وثلاثة أقفال وجنزير عمود، مع ذلك فُقدت الأسبوع الماضي. بعد التدقيق، تبيّن أن «العصابات طوّرت أداءَها، فباتت ترصد أوقات انقطاع التيار الكهربائي والمولّدات، وتنفّذ أكثر سرقاتها في الظلمة الحالكة من دون أي مبالاة بوجود الكاميرات». كما علمت ريم «من خبراء في المبيعات، أن السارقين باتوا يشترون الأقفال ويتمرّنون على فتحها بسرعة، وأنهم اكتسبوا خبرة في فتح مختلف أنواع الأقفال، وقصّ القفل المجنزر بالعمود كما يقصون حديد شبابيك البيوت بآلة لا تصدر صوتاً». تقدّمت ريم ببلاغ في مخفر سدّ البوشرية، المكان حيث سرق الموتو «في الوقت نفسه كان هناك ثلاثة أشخاص إلى جانبي يتقدمون ببلاغ سرقة دراجات نارية أيضاً، ورابع يبلغ عن سرقة سيارته». في الحالتين، لم تستعد ريم دراجتها النارية، وهي الآن استأجرت دراجة هوائية «لا وقت لأندب حظي، عليّ أن أتصرّف لأتنقل إلى عملي، غير أن البيسكلات مجهدة وغير ملائمة لطرقاتنا».
والهواتف الخلوية
علي كان «أوفر حظاً» لأنه تسلّح بمسدس بعدما علم عن تكاثر السرقات. كان عائداً من سهرة عند الساعة الثانية فجراً، من السان تريز إلى بيته الكائن في محلة حارة حريك، عندما اعترضته دراجتان ناريتان وطلب منه سائقاها التوقف وترك دراجته النارية مكانها. «كنت متيقظاً فرفعت المسدس مباشرة ففروا بسرعة». يقول علي: «صرت أخشى الخروج ليلاً ولو اضطررت أبقى متشبثاً بالمسدس وأعطي علماً لأهلي عن مكاني».
لا تقتصر السرقات على الدراجات النارية، إذ تنتشر اليوم عمليات نشل الهواتف الخلوية، ومحفظات الأموال التي يستلّها السارقون من المارّة على دراجات نارية أو بقوة السلاح ويلوذون بالفرار. «أحياناً إذا كان الحرامي عنده ضمير قد يترك لك أوراقك الثبوتية و20 ألف ليرة لتعود فيها إلى بيتك» يقول أحد العاملين في متجر ثياب في الحمرا تعرّض لسرقة محفظته تحت تهديد السكين عندما كان ينتظر سيارة تقلّه إلى منزله بعد نهاية الدوام. موضحاً: «إذا أراد أحد سرقتك عليك أن تحسب الموقف بسرعة، إذا وجدت كفّة القوة لصالحه سلّمه ما أراد وانجُ بحياتك»، ويضيف: «اتفقت أنا وشابان على العودة معاً في نهاية دوامنا عند العاشرة ليلاً متسلحين بشفرة أو سكين».
مسؤول أمني سابق، رفض الكشف عن اسمه، أكد أنّ المناطق الأكثر فقراً مثل البقاع وعكار وطرابلس تشهد العدد الأكبر من معدلات سرقة. «بعض الناس يسرقون الشجر المثمر ويبسطون البضاعة على الطريق ويبيعونها بسعر أقلّ من سعرها في السوق ليشتروا قوت يومهم». وفي هذه المناطق الغائبة عن اهتمام الدولة ورعايتها تتفشّى سرقات البيوت، أسلاك الكهرباء، السيارات، بطاريات الألواح الشمسية، والخطف لقاء فدية… ويلفت إلى استخدام النازحين السوريين في عمليات السرقة في تلك المناطق «لا توجد عصابة من دون سوريين، يكون رئيس العصابة لبنانياً وأفرادها التنفيذيون من السوريين الفقراء».
لطالما كانت السرقة موجودة، لكنّ نسبتها تزداد أو تقلّ حسب الظروف. اليوم، وفي ظلّ تلاشي الدولة تشكل السرقة للبعض اقتصاداً بديلاً من غير رادع. يلفت المسؤول السابق إلى أن «رجل الأمن اليوم أفقر من الحرامي بعد خسارة راتبه قيمته الشرائية ما يضعف قدرته على تطبيق القانون، ويؤثر بالتالي على تزايد السرقات». الأمن يعتمد وفق المسؤول «على عاملين أساسيْن هما: القوة والهيبة. ما تبقّى اليوم قليل من القوة، فإذا حدث اشتباك مسلح ينزل الجيش، لكن لا توجد هيبة». ولذلك «محاربة السرقة تحتاج إلى الهيبة. وأولى قواعد الهيبة هي تطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، لكن بعدما سُرقت أموال المودعين، وسُرق الدواء والغذاء طارت الهيبة. وهذا يفسّر جرأة السارقين بعدما فرط كل شيء وباتوا يعلمون أن الأمن غير ممسوك مع أحوال معيشية متدهورة باطّراد».
ماذا عن دور قوى الأمر الواقع؟
يشير المسؤول الأمني إلى أنه «لا يمكن لأحد اليوم أن ينوب عن الدولة لأنها الطرف المحايد بالنسبة إلى الناس، ومن لا يلبس بدلة الدولة يعني أنه يأتمر بأوامر معينة والأحزاب لا تريد مواجهة مع الناس».
ماذا عن الأمن الاستباقي؟ يعود المصدر للتأكيد بأنه غير مُجدٍ: توجد هيبة وهي في لبنان نُسفت! مع العلم أن بعض الأحزاب تُسيّر دوريات ليلية صامتة وتضع الحواجز في بعض المناطق لكنها غير كافية، لكنّ الأوضاع تفوق اليوم قدرة الأحزاب على ضبط الواقع المتفلّت.
في الغابة عليك أن تسنّ مخالبك. تسأل فتاة صديقتها: «من أين نأتي بطسّاسة الفلفل؟» فتردّ بأنها «غير فاعلة والأجدى السؤال، من أين نأتي برخصة سلاح؟»، فتجيبها: «هل سنتحوّل إلى قتلة بعدما قُتلت أحلامنا؟».
ازدياد عمليات التوقيف 5%
تحاول مصادر في قوى الأمن الداخلي القول إن الأمور تحت السيطرة، ولا يكاد يوم يمرّ لا تُنشر فيه أخبار عن توقيف سارقين وعصابات سلب بقوة السلاح ومروّجي عملات مزيفة. وتؤكد المصادر ظاهرة ازدياد نشل الأجهزة الخلوية أخيراً، لافتة إلى أن أغلب مرتكبي هذه السرقات «أفراد من المدمنين على المخدرات، يلجأون إلى النشل للاستمرار في التعاطي». وتؤكد أن «منهم من يتم توقيفه متلبّساً، والآخرون يُلاحَقون ويُقبض على بعضهم، لكن غالباً يكونون قد باعوا سرقاتهم». علماً أنه وبحسب المصادر نفسها زادت معدلات التوقيفات أخيراً بنسبة 5% ومن بينها توقيفات نوعية: رؤساء عصابات ومروّجو مخدرات.
وترى المصادر أنه بات على المواطنين امتلاك نوع من «الثقافة الأمنية»، لأن «النشّالين يراقبون ضحيتهم ويستغلون لحظات أريحيّتها: الحديث على الهاتف، حمله باليد، وجود الحقيبة إلى جانب المقعد في السيارة والشباك مفتوح… يقتنصون اللحظة المناسبة ويهربون».