السعودية تُسقط “صفقة” ميقاتي – فرنجية “المبارَكة” فرنسياً
جاء الإعلان الرسمي عن إعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية – الإيرانية ليبثّ الروح في رعاة التسوية في لبنان والمنطقة، ويراهن كُثر على تسهيل مثل هذه الخطوة إجراء الإستحقاق الرئاسي اللبناني. وتساءل متابعو السياسة اللبنانية عن توقيت إعلان «الثنائي الشيعي» بلسان رئيس مجلس النواب نبيه برّي وأمين عام «الحزب» السيد حسن نصر الله ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، لكن يبدو أنّ «الثنائي» كان على علم بالخطوة السعودية – الإيرانية التي ربّما تقلب المشهد برمّته في الشرق الأوسط.
يعلم «الثنائي الشيعي» صعوبة وصول فرنجية إلى بعبدا، لكنّه استعجل ترشيحه ليضع الاسم على طاولة التفاوض الإقليمي مع معرفته بعدم رغبة الرياض في انتخاب رئيس حليف لـ»الحزب».
ويحاول «الثنائي الشيعي» مفاوضة الرياض وطرح معادلة رئاسة الحكومة مقابل رئاسة الجمهورية، وترفض الرياض حتى الساعة الدخول بمقايضة كهذه، وتعتبر أقصى ما يمكن الوصول إليه هو إنتخاب رئيس وسطي سيادي وإصلاحي ورئيس حكومة قريب منها وترضى عنه.
هذا بالنسبة إلى التقارب السعودي – الإيراني. أما فرنسياً، فتثبت الوقائع ذهاب كل خطابات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن محاربة الفساد ومعاقبة الطبقة السياسية اللبنانية الفاسدة «أدراج الرياح»، وما كلّ تلك المواقف إلا بوّابة أراد من خلالها ماكرون العبور إلى السياسة اللبنانية وتثبيت أقدامه. ويظهر كأن الرئيس الفرنسي أكثر من يحمي المنظومة اللبنانية الفاسدة، فعندما ثار الشعب بعد انفجار المرفأ قصد ماكرون بيروت وأعاد شرعنة المنظومة لإعطائها دوراً عبر اجتماع قصر الصنوبر الشهير.
وعاد ماكرون وعمل لترشيح رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري، ومعروفة العلاقة التي تربط ميقاتي ببعض الدوائر الفرنسية.
ويسير ميقاتي عكس مركب الرياض، فالأخيرة تضع شرط عدم انتخاب رئيس حليف لـ»الحزب» من أجل مدّ يد العون إلى الشعب اللبناني، في حين أعلن ميقاتي مجاهرةً رغبته في انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية.
والأخطر من هذا كلّه، هو دخول الفرنسي في قصة تبنّي ترشيح فرنجية. وفي معلومات «نداء الوطن» أن ميقاتي كثّف نشاطه في الدوائر الفرنسية بعد إعلان «الثنائي الشيعي» ترشيح فرنجية، وذلك من أجل تأمين دفع خارجي لانتخابه. وفي التفاصيل، يعمل ميقاتي من خلال مدير المخابرات الخارجية في فرنسا برنارد إيميه، والذي شغل منصب سفير فرنسا السابق في لبنان، من أجل تسويق اسم فرنجية، ويتّكل ميقاتي بشكل كبير على إيميه نتيجة الصداقة التي تجمع الرجلين ومصالح عدّة غير معلنة بينهما. وتأتي أهمية دور إيميه في تسويق فرنجية لعوامل عدّة أبرزها قوّة تأثيره في الإليزيه، وهذا ما حصل فعلياً، والأهم من هذا كله منصبه الذي يخوّله الإتصال بالدول الفاعلة في العالم واستغلال هذا الأمر من أجل تسويق اسم فرنجية.
ويهمّ ماكرون القول إنه سجّل إنجازاً في لبنان، حتى لو سلّم الحكم مجدّداً إلى المنظومة الفاسدة و»الحزب»، وبالتالي لا يمانع في تشكيل ثنائية فرنجية في رئاسة الجمهورية وميقاتي في رئاسة الحكومة، وخصوصاً أن الأخير أعطى ضمانات للفرنسيين، منه ومن فرنجية، بتأمين مصالحهم في لبنان وعلى رأس تلك المصالح عدم المسّ بعمل شركة «توتال» وحفظ حقوق باريس في عمليات التنقيب واستخراج الغاز والنفط.
لكن يبدو أن كل جهود ماكرون وإيميه وميقاتي وفرنجية سقطت بالضربة القاضية السعودية، وكُشف هذا الأمر خلال الإجتماع الخماسي الشهير الذي عُقد أخيراً في باريس وحاولت باريس إقناع الرياض بأهمية انتخاب فرنجية لإنهاء الشغور الرئاسي. وكما بات واضحاً، لم يأتِ الإتفاق السعودي – الإيراني ليأخذ من الرياض، بل لتقدّم طهران المكاسب للرياض سواء في اليمن أم سوريا أم العراق أم لبنان، لذلك يبقى فرنجية ورقة على طاولة التفاوض، لكن الرياض لن تقبل برئيس حليف لـ»الحزب» وهذا آخر كلام للسعودي حالياً. يعمل ميقاتي مع إيميه بشكل ثنائي لتمرير اسمه واسم فرنجية ضمن سلة متكاملة، في وقت يرتاح «الثنائي الشيعي» لأداء ميقاتي الذي ينفّذ رغباته الحكومية والسياسية، وحُكماً متحمّس لثنائية فرنجية – وميقاتي، لكن كل هذه الثنائية تتهاوى حتى لو باركتها باريس بسبب موقف الرياض المتشدّد ومعارضة الداخل لإحياء سلطة «الحزب الإلهي».