العونيون يعتمدون على الصوت الشيعي ويتراجعون.. والقوات بالطليعة مسيحيًا
لا شك في أن أشد المعارك ضراوة في انتخابات 15 أيار ستكون على صناديق الاقتراع المسيحية. فمن يملك التمثيل المسيحي الأقوى، لن تنحصر قوته في الكتلة النيابية، ولا في من هو رئيس أكبر تكتل مسيحي، بل يشمل التأثير رئاسة الجمهورية المفترض أن يكون استحقاقها في تشرين الأول المقبل.
تعادل 2018 مسيحيًا
في عام 2018 أجمعت القوتان المسيحيتان الكبريان، أي القوات اللبنانية والتيار العوني، على أن قانون الانتخاب الذي توافقا عليه يؤمن التمثيل المسيحي الأكبر، مع إقرار النسبية فيه. فتوافقا على أن صيغة القانون هي الصيغة التي تسمح للمسيحيين انتخاب ممثليهم، على عكس ما كانت الحال في القانون الأكثري.
بعد انتخابات 2018، فتحت النتائج سجالًا من نوع آخر، لا يتعلق بعدد نواب كتلة لبنان القوي أو الجمهورية القوية، بل يتمحور حول أي منهما ينال أكبر عدد من الأصوات. بلغة الأرقام، في عام 2018، حصل تكتل لبنان القوي على أكبر عدد من النواب المسيحيين (تيار عوني، مستقلون، وأحزاب حليفة): 164599 صوتًا بينها 151095 صوتًا مسيحيًا. في المقابل، حصلت كتلة الجمهورية القوية (القوات اللبنانية) على 147633 صوتًا بينها 138863 صوتًا مسيحيًا. أنذاك اعتبرت القوات اللبنانية أنها “نسبيًا، وقياسًا على عدد الأصوات وعدد المقاعد النيابية”، باتت الأقوى تمثيلًا للمسيحيين أو بالحد الأدنى تعادل التيار بنسبة التمثيل.
قوة باسيل المستعارة
يتغير المشهد في دورة العام 2022. فالقوات اللبنانية والتيار العوني اللذان تغنيا بالقانون الانتخابي الذي يتيح للصوت المسيحي أن ينتخب النواب المسيحيين، يعودان اليوم رهينة الصوت السني والشيعي. وبينما تعول القوات اللبنانية على تحالفاتها في عدد من المناطق المتداخلة بين المسيحيين والسنة، خصوصًا في عكار وجزين – صيدا، يعتمد رئيس التيار العوني وجبران باسيل في عدد من الدوائر على الصوت الشيعي، خصوصًا في بعلبك – الهرمل والبقاع الغربي وزحلة وجبيل وبعبدا وبيروت الثانية ونسبيًا في جزين – صيدا، في محاولة للحفاظ على حجم كتلته.
وفي مقابل خطابه العام 2018 بأنه حقق مكسبًا للمسيحيين في قانون انتخاب يمثلهم ويحفظ تمثيلهم الصحيح، يعود باسيل اليوم بعد أربع سنوات إلى الاستقواء بالصوت الشيعي، لكسب مقاعد مسيحية. والدليل على ذلك ما يحصل من “ترهيب” في بعلبك – الهرمل للمرشحين الشيعة على لوائح القوات، ونجاح الحزب بإجبارهم على الانسحاب لمصلحة حليفه باسيل. وهذا إضافة إلى جبيل التي يشكل فيها الصوت الشيعي ثقلًا لمصلحة مرشحي التيار. وفي البقاع الغربي وزحلة وجزين يعمل الحزب على محاصرة القوات اللبنانية لمصلحة حليفه. فهو الذي قال عن هذه المعركة إنها ليست معركة الكتلة الشيعية بل هي معركة الحلفاء. ولعل التحدي الأكبر يتجلى في حفاظ جبران باسيل على وزنه الانتخابي، ولو كان ذلك بقوة وبأصوات غير المسيحيين، على خلاف ما كان يردد في العام 2018 حين رفض أن يضم تكتّله “نايب عياري”.
ويعني سعي باسيل لكسب مقاعد بأصوات غير مسيحية، تناقضًا غير مفهوم في اللغة السياسية للتيار، الذي دفع باتجاه اعتماد قانون “الستين” الأكثري في دورتي 2005 و2009 “رفضًا لانتخاب نواب مسيحيين بأصوات غير مسيحية”. وهو نفسه التيار الذي حاول تمرير “القانون الأورثوذكسي” الذي يعني انتخاب كل طائفة نوابها. غير أنه اليوم اتجه عمليًا إلى عكس ما كان ينادي به. وما يجري اليوم هو انقلاب على كافة المفاهيم التي طالب الرئيس ميشال عون وباسيل بها في السنوات الـ17 الماضية.
الجيل الشاب والكنيسة
سيعود باسيل رئيس كتلة مسيحية وازنة، ولكن أن تكون الأكبر أمر ليس محسومًا بعد. فمعظم الاستطلاعات تضعه في المرتبة الثانية بعد القوات، أقله حتى اليوم. وهذا الأمر تحديدًا يشغل بال الحزب، لأن المعطيات تشير إلى تقدم القوات، خصوصًا في صفوف الشباب وفي القواعد التي تنتظر “بركة” الكنيسة المارونية للانتخاباب. وللجيل الجديد في “المجتمع المسيحي” موقف مغاير لمواقف عون، تحديدًا في ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان. ومع أن رئيس الجمهورية وتياره ليسا مسؤولين عن معظم التدهور في البلاد، إلا أنهما فشلا في وقف الانحدار، على الرغم من كون ركائز الجمهورية في أيديهما. وهذا ما يضع العهد في مواجهة ضارية مع منتقديه في الساحة المسيحية.
يشير هذا الوضع إلى أن احتمال حدوث مفاجآت على الساحة المسيحية أمر وارد ومنطقي. وربما هذا ما قصدته القوات في بيان أخير لها ردًا على رفع باسيل دعوى عليها وعلى الكتائب بتهمة “تجاوز الانفاق الانتخابي”، حين توجهت إليه بالقول: “استعد جيدًا” للانتخابات.