“القوات” ترسّخ طرحها للتلاقي: مؤهلات الرئاسة أوّلاً

تستشفّ “القوات اللبنانية” مدى القابلية الفعليّة لانعقاد اجتماع ذي جدوى ملموسة يضمّ الأقطاب المسيحيين للتداول في الاستحقاق الرئاسي، من خلال تفحّصها “عيّنات” المواقف والأجواء إزاء منطلقات “العلاج الشافي” للحدّ من الشغور الذي اقترحته في مختبراتها السياسية، لجهة ضرورة الانطلاق من التوافق على المؤهلات الرئاسية الانقاذية المطلوبة. وتشكّل هذه النقطة “المحلول الناجع” القادر على تركيز بساط للبحث حول النماذج والأسماء الممكنة طالما أنها متشرّبة للاعتبارات السيادية والاصلاحية. وسبق للموفد “القواتيّ” الذي زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن طرح مقتَرَحاً ينطلق من أولوية التوافق على أرضية مؤكدة على الحدّ المعقول السيادي والاصلاحي قبل اختيار أي أسماء، وتفعيل آلية التصويت بين النواب الحاضرين على أن يلتزم المقترعون جميعاً دعم الاسم الذي ينال النسبة الأكبر من الأصوات للرئاسة.

وبقيت قطرات “الترياق” الذي تطرحه “القوات” على حالها مع تقدّم فكرة اجتماع القيادات المسيحية بدلاُ من النواب الـ64، لجهة تأكيد المواكبين للاجتماع مع المطران أنطوان أبو نجم على المؤهلات المطلوبة للرئاسة كخطوة أولى تسبق أي خواتيم مبادرة يراد منها الجمع وإنهاء المراوحة. وبمعنى أوضح، لا بد أن يسبق ترتيب أي طاولة تجمع الأقطاب المسيحيين الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يتمتّع بالحدّ الأدنى من الالتزام السيادي والحدّ الأقصى من الالتزام الاصلاحي أو ما تحبّذ “القوات” تسميته “البروفايل الرئاسي” الذي في استطاعته الانقاذ، مع الحرص على انطلاقه من خلفية وطنية متمسكة بالقوانين ومؤكدة على مندرجات الدستور اللبناني.

وانطلاقاً من هذا النموذج العام الذي تصرّ عليه “القوات”، يمكن الانتقال إلى بحث سلّة الأسماء واختيار أحدها الذي يحظى بموافقة القيادات ويتحلّى بالمقدرة على استقطاب الأصوات النيابية. لكن، ماذا حول امكان تلقّف الأقطاب المعنيين طرحاً مماثلاً من عدمه؟ وهل لمس “القواتيون” بوادر تتيح القدرة على تطبيقه؟ بحسب المعطيات التي تؤكّدها لـ”النهار” مصادر “قواتية” مطلعة عن كثب على فحوى مقاربة معراب، فإن مؤشرات كيفية تعامل القوى المسيحية مع مقاربة “القوات” لا تزال أولية وخافتة نسبياً. وهناك أسئلة حول مدى امكان تجاوب “التيار الوطني الحرّ” مع المؤهلات التي تطرحها “القوات” للرئاسة كمدخل لتعزيز امكان التوصل إلى مشاورات مباشرة بين الطرفين. والأكيد، وفق مصادر “القوات”، أن معراب “لن تُلدغ من الجحر مرتين”؛ ولا ايمان إلا بما هو ملموس ومحسوس، مع الإشارة إلى أن تفاعل “التيار” يعتبر ضئيلاً مع العناوين “القواتية” للرئاسة حتى الآن.

ولا يلغي ذلك أن ثمة نوعاً من “جسّ نبض” على مستوى بعض الشخصيات النيابية من التكتلين الأكثر تمثيلاً للشارع المسيحي، لكن لا يمكن زفّ خبر مفاده الوصول إلى معطى ايجابي حتى الآن. وقد يعني ذلك بالنسبة إلى المستطلعين “القواتيين” غياب حماسة الطرف الآخر لفكرة النموذج الرئاسي الذي تسعى إليه معراب واستمرار التمسك بنظرية تعوّل على حظوظ رئيس “التيار” أو مرشّح يكون له الثقل الشخصي في إيصاله.

في ما يخصّ توليفة الأسماء، تبدي “القوات” حرصها على دعم ترشيح رئيس حركة “الاستقلال” النائب ميشال معوض واستعدادها للبحث في مرشح يمثّل أجواءه انطلاقاً من تسهيل الاستحقاق الرئاسي قدر المستطاع. وتذكّر مصادرها أن رئيس “القوات” سمير جعجع لم يطرح نفسه مرشحا رئاسياً على الرغم من أحقيته، لكنه لم يبادر إلى تزكية اسم أو دعمه من داخل تكتل “الجمهورية القوية” بل أيّد ترشّح النائب معوض بعدما تظهّر أنه الشخص الأكثر قدرة على استقطاب أصوات نيابية معارضة.

ولن تقبل “القوات” بحث نموذج للرئاسة يحاول الطرف الآخر طرحه على قاعدة سياسة الفرض، في وقت تحتاج أي مفاوضات مع “التيار الحرّ” إلى سياسة الملاقاة تحت مظلة الالتزام بالمؤهلات السيادية والاصلاحية المطلوبة. ولا يلغي ذلك بعض المؤشرات التي يمكن أن تعزز حركية الصورة بين الفريقين، فيما يتداول في بعض المجالس القواتية أن الالتقاء إذا حصل قد يكون فاعلاً أكثر من الاجتماع مع الوزير السابق سليمان فرنجية الذي يتمسك “الحزب” في ترشيحه، في وقت يبدو الخلاف كبيراً بين “التيار” و”الحزب” على الرغم من عدم الوصول إلى القطيعة الكاملة بين الفريقين.

إلى ذلك، يُستنتج أن أي اجتماع عتيد بين القيادات المسيحية يبدو غير قريب حتى اللحظة، ولا بدّ بالنسبة لـ”القوات” أن تسبقه ورشة مشاورات مطولة للاتفاق على المؤهلات المطلوبة والنقاش المستفيض حول الأسماء قبل انعقاد أي لقاء مطوّل على مستوى رئاسة الأحزاب الذي لا يمكن أن يكون مجرّد مناسبة بأبعاد رمزيّة الطابع. ويعني ذلك أن صورة أي اجتماع للقيادات اذا حصلت لن تكون عشوائية أو قريبة لمجرّد الانعقاد، بل ثمة مراحل تحتاج وقتاً للمباشرة بها واستكمالها أولاً في حال كانت نوايا الأطراف السياسية ايجابية.

وإذا كانت النتائج مضمونة سواء من خلال الاتفاق على “البروفايل” الرئاسي أو الاسم الترشيحي، يمكن بعدئذٍ الانتقال الى مرحلة اضافية قائمة على عقد اجتماع بين قيادات الصفّ الأول، لكن الانطلاق من دعوة إلى اجتماع من دون نتائج مضمونة مسبقاً وبلا توافق على عناوين أساسية مسألة تقرأ “القوات” أنها مسيئة للمسيحيين وتضع الطابة في ملعبهم من دون الاضاءة الفعلية على مكمن الخلل المتمثل في عدم تسهيل فريق “الممانعة” الانتخابات الرئاسية وإصراره على مرشح أوحد.​

زر الذهاب إلى الأعلى