“بلد المليون شهيد” يؤدّي أدواراً جديدة: الجزائر تستعيد حضورها الدولي
بشكل تدريجي، استعادت الجزائر حضورها العربي والدولي من خلال اعتماد سياسة خارجيّة نشطة ترتكز على تفعيل علاقاتها العربيّة والأفريقيّة والدوليّة على أكثر من مستوى، بما يوفر لها حضوراً ملحوظاً في العديد من القضايا السياسيّة والاقتصاديّة.
“بلد المليون شهيد” الذي قدّم دروساً في النضال من أجل التحرر الوطني ورفض الاستعمار حافظ على هويته العربيّة، ولقد سعت الجزائر للتميّز في إنجاح القمة العربيّة التي إستضافتها منذ أشهر من خلال استباقها بمصالحة فلسطينيّة – فلسطينيّة ومن خلال السعي الحثيث لإزالة بعض الألغام السياسيّة من أمامها.
بطبيعة الحال، عمق الانقسام الفلسطيني الداخلي وفشل كلّ التجارب في المصالحة الوطنيّة في الحقبات السابقة جعلا تحقيق النجاح التام في هذا الملف مسألة في غاية الصعوبة، ومرد ذلك قصر النظر من الفصائل الفلسطينيّة المتنازعة وتغاضيها عن انعكاس ذلك على طبيعة الصراع مع إسرائيل.
كما أن مجمل الوضع العربي والانقسامات التي تلف الساحة العربيّة كانت أعمق من أن تتمكّن الجزائر وحدها من أن تردمها في إطار الإعداد للقمة، ولو أن جهودها ذكّرت بأن ثمّة إمكانيّات، ولو غير مكتملة، لرأب الصدع العربي أقله في بعض الملفات الاقتصاديّة إن لم يكن في المجالات السياسيّة.
وتولي الجزائر إهتماماً بعمقها الأفريقي كما بالواقع المأزوم في دول الجوار، فالانقسام الليبي يُهدّد بإطالة أمد الحرب الأهليّة فيها سواءً أكانت باردة أم ساخنة، كما أن التحوّل التونسي المتجدّد نحو تبديد مكتسبات الثورة في النواحي المتصلة بالديموقراطيّة والدستور والمشاركة السياسيّة باتت مثيرة للقلق.
وتبقى طبعاً العلاقات الإشكاليّة تاريخيّة مع الجار اللدود المغرب على خلفيّة المواقف المتباينة خصوصاً من قضيّة الصحراء الغربيّة مع الدعم الجزائري المعروف لجبهة “البوليساريو”. وقد إتخذت هذه القضيّة منعطفاً جديداً وأثّرت على العلاقات الجزائريّة مع واشنطن التي اعترفت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بالسيادة المغربيّة على الصحراء الغربيّة في سياق الترويج لاتفاقات أبراهام وضمّ الرباط إلى قائمة الدول التي تُطبّع مع إسرائيل.
في مطلق الأحوال، لم تكن العلاقات الأميركيّة – الجزائريّة ورديّة يوماً. لطالما كانت الجزائر أكثر ميلاً للمعسكر الإشتراكي بقيادة موسكو، كما نشطت بشكل كبير في حركة عدم الإنحياز والخط الثالث. ومن المرتقب أن يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة قريبة إلى موسكو سيتخلّلها بحث في إتمام صفقة شراء أسلحة روسيّة، فضلاً عن النقاش في الملف الاقتصادي المرتبط بالغاز والنفط، والذي تلعب فيه الجزائر دوراً رئيسيّاً خصوصاً بعد إندلاع الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة. يُذكر أن الجزائر هي ثالث أكبر مستورد للسلاح الروسي بعد الهند والصين.
كما من المنتظر أن يقوم الرئيس الجزائري بزيارة رسميّة إلى الصين قبل انقضاء العام الجاري، سوف يتخلّلها تفعيل الخطّة الخمسيّة الثانية للشراكة الاستراتيجيّة بين البلدَين (2022- 2026) والخطة التنفيذيّة لمبادرة الحزام والطريق والخطة الثلاثيّة للتعاون في مجالات حيويّة من أبرزها مشاريع الموانئ والغاز وتحويل الفوسفات والكبريت والزنك والرصاص.
إذاً، المسارات المفتوحة في السياسة الخارجيّة الجزائريّة متنوّعة وعديدة وهي تتطلّب بناء سياسات فاعلة وناشطة لتتمكّن الجزائر من خلالها أن تستعيد حضورها العربي والأفريقي والدولي ولكي تستفيد تماماً، بما يُحقق مصلحتها الوطنيّة، من الأزمات المتصاعدة على المستوى العالمي في قطاعَي النفط والغاز، وتعكسها أيضاً في تعزيز النمو الاقتصادي الداخلي والتنمية الريفيّة.