بوهيميا الموت

نَوَر يا عون.. نَوَر يا اللّه.. نَوَر يا عالم.. نَوَر يا هوووو..

تعالى ذلك الصّراخ، إذ راحت تشتعل الخيم جرّاء سقوط قذائف المدفعيّة الّتي انهالت على المخيّم الّذي أقيم في سفح غربيّ بلدة سعدنايل، ليبيت النَوًر باقي لياليهم في عراء، تأثث بالرّماد والحرائق وبقايا جثث أطفال ونساء، لا ذنب لها أكثر من أنّهم سكنوا خيمة، هي في لا وعي العسكريّ هدف معادٍ.

خرجت في ذلك الصّباح من مكتبة عزّام، أتأبّط كيسًا ورقيًّا، أخفي داخله مجلة بورنو.

كنت لا أزال في مراهقة لا أظنّ أنّي قد خرجت منها وإلى الآن.

أسير في الطّريق تاركًا لعينيّ حريّة البحث عن تفاصيل تافهة.

ألاحق عيونًا ونظراتٍ، وجوهاً وأثداءً ومؤخراتٍ نسائيّة. لطالما أجريت بينها وبين تلك الّتي أراها في مجلات البورنو مقارنات لا تنتهي، فأحلم ببعضها، وأستنمي على بعضها الآخر، وأتجاهل ما لا يثيرني منها.

لمَ أكن كالآخرين، فأنا لا أقرأ لكبار الكتّاب، ولا أسمع لعباقرة الموسيقا، ولا أتابع مشاهير العالم، ولا أهتمّ لعظماء القادة في التّاريخ، ولا آكل في أشهر المطاعم، ولا أرتدي أفخم الماركات؟!

كنت مجرّدَ عابثٍ، يتابع جديد الأفلام الإباحية، ومجلّات السّكس، أسير بلا هدف عندما سقط رأسه أمامي، وقد فصلته شظيّة عن باقي جسد، تهاوى على بعد خطوات فوق رصيف طريق برالياس، في صباح تناقل فيه كثيرون الحديث عن ذلك السّقوط، وتلك الدّماء الّتي طالت ملابس كثير من المارّة، دون أن يتحدث أحد عمّا خلّفت وراءه من أحبّة وأعداء، وديون والتزامات، ووعود وخذلان، وفشل، وأمان لم تتحقّق، في بلد أعظم قصصه لا تصلح للقراءة من بنيه.

زر الذهاب إلى الأعلى