رسالة إلى رؤساء الكنائس إلامَ انقسام عيد الفصح ؟
بعد تأدية واجب الاحترام، لكلّ سلام المعلم وقوّته، ونأمل أن تكونوا بقوّة الإيمان التي تقول “لهذا الجيل انتقل فينتقل” وفي عافية تملأ قلوب البشريَّة طمأنينة وعطاءً ووفاقاً وودًا.
أيّها الآباء،
951 عامًا انقضت، وما زال الانقسام بين الكنيستين الغربيَّة والشرقيَّة جاثمًا على باب التاريخ غير آبهٍ بالخجل، ولا يريد أن يستريح، تتوارثه الأجيال بألمٍ وحسرة، تقلب صفحاته المتّشحة بالسَّواد. ونقرأ كيف أنَّ هذا الانقسام أفرز التّفرقة ووضع أهل البيت تحت سقف الانهيار.
إنَّ ما أفضى إليه هذا الانقسام، أنّه ولد فصحين بدل الفصح الواحد، وكل سنة نحتفل بالعيد، وعلى وجوهنا ابتسامات مصطنعة وغصَّة في القلب، وفي عقولنا تساؤلات عن هذا الجرح الذي ينزف، وأنتم الأطبّاء الروحيُّون الذين من المفترض أن تعالجوا هذا الجسد الذي أنهكته الخلافات قبل أن يترهَّل، وخوفي أن تعجزوا في النِّهاية عن المداواة.
لماذا نصوم مرّتين، هل وحدة المسيح الإله تتجزّأ؟ ولماذا تحوَّل الصّوم إلى فولكلور وكأنّه مناسبة عامَّة لا تستحقّ الإجلال والفناء الذاتي أمام عظمة السيِّد المسيح الذي دعانا أن نكون أخوة، وهذا ما تعلَّمناه من الإنجيل عندما قال “متى صمتم”، ولم يدع كلاً بمفرده ولم يحدّد الأرثوذكسي أو الكاثوليكي أو البروتستانتي، نعم دعانا لنكون واحداً.
أمّا أن نحتفل مرّتين بطقوس الصَّلب والدفن والقيامة والشَّعانين، فهذا هو السؤال الكبير الذي يدعو إلى الشكّ! هل نحن دين واحد أم مجموعة أديان؟
إنَّ كلّ الأحداث التي شكّلت خصامًا تاريخيًّا، إن كان بين دول أو شعوب أو أعراق قد بدّدتها الأيام ورفعت راية الوفاق، وكان أبرز هذه المحطَّات التاريخيَّة التي أعطت دفعًا سلميًّا، هي سقوط جدار برلين الذي فرَّق بين شعبٍ واحد، والاعتذارات التي قدّمها البابا يوحنَّا بولس الثاني عن أخطاء ارتكبت بحقّ الحقّ، أوَليس كلّ هذا لخدمة الإنسانيَّة ووحدتها ولإزالة أية عداوة بين الناس؟
إنّ ما قام به البطريرك أغناطيوس الرّابع هزيم والبطريرك غريغوريوس لحَّام في شباط الفائت عند تدشينهما أول كنيسة مشتركة للأرثوذكس والكاثوليك في دمشق خطوة تعكس الإيمان بالوحدة التي ننادي بها، وحسنًا فعلا لأنّها شوكة انتزعت من قلب المعاناة، وقول البطريرك لحَّام “إنّ هذا الحدث الكنسي نسعى من خلاله إلى الوحدة بين المسيحيِّين”، هذا في الشرق، أمّا في الغرب، فلم تعد سياسة الباب نصف المفتوح تفعل فعلها بل شرعت الأبواب أمام حكمة بطريرك رومانيا “تبوكتيت” يوم لقائه البابا في مذبح القديس بطرس، ودعوته إلى إنهاء الانشقاق الذي مضى عليه ألف سنة بين الكاثوليك والأرثوذكس، واقتراح البابا خلالها إنشاء مؤسَّسة مشتركة لتحسين العلاقات بينهما (تشرين الأول 2002).
ألم يقل المعلِّم الأول السيِّد المسيح “أنّ كل من ليس معي فهو عليّ ومن لا يجمع معي فهو يفرّق” أو قوله “كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب أو كل مدينة أو بيت منقسم على ذاته يخرب”؟
لقد آن الأوان لإذابة جبل الجليد الذي تكلس بفعل تراكم الأخطاء وهدم الجدران التي رفعتها الخلافات.
إنّنا ننتظر منكم اليوم قبل الغد إعلان الوحدة المسيحيَّة، وإلاّ كيف نكون “كنيسة واخدة جامعة مقدّسة رسوليَّة”؟ وأن تبادروا إلى حوار فاعل مع الكنيسة الأرمنيَّة والقبطيَّة لملاقاتنا في عيد ميلاد واحد وليس “ميلادين”، وبهذا تكونون قد حقّقتم مصالحة العصر وإنجازاً تاريخيًّا في الألفيَّة الثالثة.
كفى، لا نريدها حرب الألف عام، ولا أطول نزاع في التاريخ، ولا نريد أن نتوارث كلّ الأعباء التاريخيّة أو نبقى على رصيف الانتظار، فنحن لا نستحقّ كلّ هذا الشقاء والخصام، جيلنا يُطالبكم بالجمع وليس بالقسمة، ونرفع الصّوت مع كلّ الذين هتفوا من أذربيجان إلى بلغاريا ورومانيا وتورنتو يوم زيارة البابا لهذه الدول: “الوحدة! الوحدة! لئلاّ نبقى نردّد “يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون”، واعلموا أنه من شدَّة الألم نطَقَ القلم.