رفيقي عاطف
أنا لا أعرفك، وليس من عادتي أن أكتب لأولئك الّذين التقيتهم صِورًا، إلّا أنّك وكأنّك قد خرجت من الصّورة وقلت لي: اكتبْ! وها أنا أفعل لامرىء عاش من زمن الأبيض والأسود إلى زمن الألوان دون أن يستعير لونًا يجاري لونه، ولا أن يكفّ عن وقوفه في وجه الريح.. سمعتهم يقولون: أنّ الرّيح لم تهزمْك، غير أنّ المرض قد فعل.
يا رفيقي، لا تبتئسْ، فالموت في طينك المجدب يعدل الحياة في حدائق الغربة، ولقد رأيت أبي وقد كان فلّاحًا، يسند غرسة غريبة أتانا بها صديق مهاجر بعصا تفّاح يابسة، مرّ عام، فماتت الغرسة الغريبة، وتفتّحت براعم عصا أبي، تبسّم أبي وهو يقول: “لكلّ حيٍّ وطن” وأنت ما فارقت، بل أصّلّت فينا ترابنا، ومنحته رفعة النّضال وبخور الجسد.
يا رفيقي بين شعرك الأسود وشعرك الأبيض فرشت عمرًا لوطنٍ لم يأت، لذا قرّرت المسير إليه بنفسك، أهديته حياة، فأهداك مرضًا وقهرًا، وكذا تكون الأوطان، رفاق غرسوا الأجساد يباسًا فيها، لتنبت القضيّة مواسم شهادة.. وليس الشّهيد ذاك الّذي قد سكب دمه على صمت الصّخور فقط، بل مثلك شهيد قدّم حياته ثباتًا وانتظارًا على حدود الالتزام، وما خان الطّريق.
نم يا رفيق، ووسّع لنا مطارح معك، فنحن من الّذين نعشق مجاورة الرّجال الرّجال، وأنت كنت ممن يتسّع كفّهم لرغيف أكلناه، قلبهم لوطن أكله، وروحهم لرفاق سامروه، ورأسه لقضية تستحق.
وداعًا رفيقي الذي أخجل منه عاطف.