شواطئ لبنان منسيّة تخطف خيرة الشباب… والمسؤولون يتقاذفون المسؤوليّة! (صور)
أيّام قليلة تفصلنا عن افتتاح موسم السّباحة رسميّاً، في ظلّ غياب تامّ للرّقابة المختصّة والسلامة العامّة على الشواطئ.
على طول الساحل الممتدّ من بيروت إلى صور عشرات الغرقى، جثث عدّة يلفظها البحر سنويّاً، تقضي غرقاً بسبب أمواج عاتية وتيّارات جبّارة.
للإنقاذ لغة عالميّة يتّبعها عاملو الإنقاذ على الشواطئ العامّة والخاصّة، من طفّافات، أعلام تحذيريّة باللّونين الأصفر والأحمر، الثياب المخصّصة لعامل الإنقاذ، دواليب الحماية وحسكات إنقاذ. وهي معدّات تُعتبر أوليّة وبدائيّة بتنا نفتقر لها.
والأزمة الاقتصاديّة نفسها أبعدت المواطنين عن المسابح والشواطئ الخاصّة ذات الأسعار المرتفعة ودفعتهم نحو الشواطئ الشعبيّة المجانيّة العامّة دون حسيب أو رقيب، ودون أدنى وسائل السلامة العامّة، هناك الدّاخل إلى البحر مفقود والخارج منه مولود.
المينا طرابلس
ففي الميناء طرابلس، الشواطئ مجانيّة للعموم، ولكنّ النّاس عادة ما ترتاد الجزر للسّباحة وتمضية نهار العطلة. هناك لجنة محميّة جزر النّخيل تتولّى أعمال الإنقاذ والإغاثة ورقابة الجزر. وتعاونت بلديّة الميناء مع منظّمة دوليّة لإخضاع سائقي مراقب النّزهة على الميناء لتدريب ابتدائيّ على الإغاثة والإنقاذ، لكن لا موارد ولا تمويل لاستكمال التدريب والتمكين، حتى أنّ تكلفة زيارة جزر النّخيل زهيدة جدّاً وعائداتها معدومة.
في السّياق، أكّدت القائم بأعمال بلديّة الميناء وقائم مقام زغرتا السيّدة إيمان الرافعي أنّ “المسبح الشعبيّ والشواطئ العامّة تخضع لرقابة المديريّة العامّة للنقل أكثر من البلديّة، فيما أكّد مصدر رفيع في وزارة النّقل أنّهم معنيّون بإصدار أذونات عمل فقط، لكنّ المهمةّ الأساسيّة والأولى مناطة بالبلديّة للاهتمام بأمور الشواطئ العامّة”.
وأكّدت الرافعي أنّ البلديّة لا تضع منقذين بحريين على الشواطئ العامّة، ممّا يعني ألّا رقابة عليها من جهتنا. لكن هناك جمعيّة في المينا تمتلك تصريحاً من المديريّة العامّة للنّقل بأنّ تستلم مهام الإنقاذ على الشواطئ العامّة، إلّا أنّه حتى الساعة لا معلومات عن مدى جديّة الموضوع، موضحةً أنّ البلديّة ستتعاون مع المديريّة العامّة للنّقل في خصوص أيّ جمعيّة تتطوّع على الشاطئ العام.
وفي حديث لـ”النهار” أكّد مصدر رفيع في مديريّة النّقل أنّ “شاطئ طرابلس ملوّث بكميّة هائلة من مياه المجارير ولا يصلح للسّباحة، مضيفاً أنّ الناس عادة ما يرتادون الجزر كجزيرة الأرانب للسباحة نسبة إلى بعدها عن الشاطئ الملوّث ونظافة المياه والطبيعة من حولها. وتتحمّل إدارة المسابح الشعبيّة جزءاً كبيراً من المسؤوليّة، وتقع على عاتقها مهمّة الحفاظ على نظافة الشاطئ وأمن وسلامة روّاده”.
مسؤوليّة من؟
رئيس وحدة الإنقاذ البحريّ في الدّفاع المدني سمير يزبك يلفت إلى أنّ “الرّقابة على الشواطئ الشعبيّة المجانية لا وجود لها، فقبل افتتاح الموسم رسميّاً ومنذ طلوع هذا الشهر انتشلنا 10 ضحايا غرق من الشواطئ العامّة بسبب التيارات والموج المرتفع.
ويشير إلى أنّ رجل الإنقاذ في ظلّ أحوال المياه الصّعبة لا يستطيع القيام بأيّ خطوة إلّا إغلاق الشاطئ، إذ يتعذّر على أيّ كان دخول المياه وإنقاذ الغريق بعد أن يسحبه التيار، لأنّه يختفي تحت المياه في غضون 30 ثانية، وفي هذه الحالة قد لا يمتلك الوقت الكافي لجعل الآخرين يتنبّهون إلى أنه يغرق”.
ويضيف يزبك: “وأصبح عدد رجال الإنقاذ المحترفين قليلاً جداً، فالجزء الأكبر منهم اختار طريق الهجرة إلى جامعة الملك عبدلله في السعوديّة، ثمّ قطر، دبي وقبرص حيث فرص العمل متاحة على مدار السنة وليست موسميّة”، وفق ما أكّد يزبك.
ويقوم الدّفاع المدنيّ بالتنسيق مع وزارة السياحة بتدريب وإعداد منقذين درجة أولى ومحترفين بإمكانهم الاهتمام بالشواطئ العامّة والقيام بعمليّات الإنقاذ والإسعافات الأوليّة بوجود معدّات الـ”توربيدو”، الحسكة، الـ”بيدالز” وجميع معدّات الإنقاذ الواجب استخدامها على الشواطئ.
أمّا بالنسّبة إلى شاطئ صور حيث مركز وحدة الإنقاذ البحري، فيؤكّد يزبك “وجود دوريّات دائمة على الشاطئ لتأمين الرقابة والحماية للسبّاحين، والبلديّة تفصل مراقبين للشاطئ مع معدّات أوليّة بالتعاون مع وحدة الإنقاذ البحري في الدفاع المدني.”
ويوضح أنّه “في السنوات الماضية وقبل تشعّب الأزمة الاقتصاديّة كانت البلديّة تنتدب منقذين بارعين إلى الشواطئ كشاطئ الرّملة البيضاء في بيروت، إلّا أنّه مع تطوّر الأزمة أصبح من الصّعب على البلديّة تأمين الرواتب الشهريّة للمنقذين، فبات الموجودون على الشواطئ من الهواة أو المبتدئين”.
ومن الجدير ذكره أنّ المسبح الشعبي في الرّملة البيضاء بيروت هو من المسابح المتعاقدة مع جمعيّات أهليّة ومؤسسات مجتمع مدني كـ”حملة الأزرق الكبير” و”سيدرز للعناية” اللتين تقومان بحملات نظافة وأخرى توعويّة عن الثروة المائيةّ وكيفية المحافظة عليها والاهتمام بتنظيف الشاطئ من المواد المؤذية وغير المتحلّلة بشكل دوريّ، بالاشتراك مع الصّليب الأحمر اللبناني وجمعيات كشفية وأهلية برعاية وزارة البيئة وبلديّة بيروت”.
ويؤكّد مدير المسبح الشعبي في الرّملة البيضاء نزيه الريّس أنّ المسبح مجهّز بفريق إنقاذ كامل محترف حائز على شهادات من وزارة السياحة والدّفاع المدني بمعدّات بدائيّة يشغل مهمّة الإنقاذ صيفاً شتاء براتب شهريّ، مؤكّداً أنّه منذ عام 2003 حتى يومنا هذا لم يشهد الشاطئ أيّ حالة غرق حتّى الموت.
من بيروت الى صور
على طول امتداد الساحل البحري ننطلق من الرملة البيضاء حيث فريق الإنقاذ المجهّز، ونصل إلى صور بوحدة إنقاذ بدوريّات متتالية، وما بينهما من السّاحل اللّبناني شواطئ كالذّهب منسيّة متروكة بلا حسيب ولا رقيب، يدخلها المواطن سباحةً ويخرج منها على حمّالة الدّفاع المدني جثّة يلفظها البحر بعد أيّام من البحث والتحرّي، لتعود إلى الواجهة مجدّداً ككلّ عام المخالفات والتجاوزات التي تحصل على الشواطئ المجانيّة، في غياب أيّ مسؤولية للمعنيين من وزارات أو بلديات، وكلّ يتقاذف المسؤوليات، فيما النتيجة حصاد وفرة من الشباب اللبنانيّ في البحر.
تعاميم الإنقاذ البحريّ
من هنا، تعمّم وحدة الإنقاذ البحري في الدّفاع المدني بعض الإرشادات الموجب اتّباعها عند زيارة الشواطئ المجانيّة الشعبيّة:
• في حال وجود تيّارات قويّة أو أمواج عالية يجب عدم ارتياد الشواطئ.
• اختيار مناطق سباحة آمنة، غير وعرة أو عميقة.
• التزوّد دائماً بمعدّات السلامة كدواليب الإنقاذ وسترات النّجاة.
• البقاء على مسافة قريبة جدّاً من الشاطئ.
• التّأكّد من وجود عمّال إنقاذ محترفين.
• وجود العلم الأحمر على الشاطئ يعني أنّ المسبح مغلق بسبب التيارات والأمواج.
• العلم الأصفر يؤكّد وجود رجل إنقاذ محترف على الشاطئ.
• التأكّد من وجود طفافات وعدم تجاوزها لسلامتكم.