“لقاء باريس” والإنذار الأخير
بعد أسبوعين على “لقاء باريس” الذي جمع الخبراء في الملف اللبناني من كبار الموظفين في وزارات الخارجية الاميركية، الفرنسية، السعودية، القطرية والمصرية بقي الجدل قائما في الكواليس السياسية والديبلوماسية بين من يرغبون بالبحث عن العوامل المشتركة التي يمكن ان تؤدي الى نوع من التنسيق بين الداخل اللبناني والخارج من اجل تسهيل الخطوات الاولى الآيلة الى رسم خريطة الطريق المؤدية الى سكة التعافي والإنقاذ في ظل التعقيدات المتحكمة بالساحة اللبنانية بين م يدعي ان مفاتيح الحل في لبنان ومن ينتظر انفراجات اقليمية ودولية تسهل الوصول الى الحلول الممكنة.
فليس صحيحا – كما تؤكد كواليس “السفراء الخمسة” لـ “المركزية” – كما بالنسبة الى العديد من الديبلوماسيين الاجانب ان العقدة كلها في الخارج، ولو كان ذلك منطقيا لانفجرت الساحة اللبنانية قياسا على حجم التوتر الاقليمي والدولي، وأن على اللبنانيين خوض غمار الانقاذ بأدوات وآليات سياسية ودستورية وادارية ومالية لبنانية لا تمتلك التقرير في شأنها اي جهة خارجية. وهي محطات مطلوبة بالسرع وقت ممكن توصلا الى المرحلة التي يمكن فيها طلب العون الدولي لمساعدتهم على القيام ببعض الخطوات الانقاذية سواء من خلال الدعم المالي او السياسي.
على هذه القاعدة بنيت الرهانات على “لقاء باريس” الذي ينته الديبلوماسية الفرنسية على مراحل عدة بدأت بلقاءات ثنائية فرنسية – اميركية الطلقت من القمة الاولى واليتيمة التي عقدت بين الرئيسين ايمانويل ماكرون وجو بايدن العام الماضي على أنقاض مسلسل مبادراته اللبنانية منذ تفجير مرفأ بيروت، قبل ان تنشأ القناة الديبلوماسية بينهما على أكثر من مستوى في موازاة القناة الفرنسية – السعودية التي فتحت منذ الجولة الاخيرة لماكرون على دول الخليج العربي والتي أثمرت إنشاء الصندوق الفرنسي – السعودي المشترك الذي اقترب من رفع مؤونته المالية الى 70 مليون يورو تخصص للمشاريع التي انطلقت بنصف المبلغ عند تأسيسه. وقد كان ذلك قبل ان تنضم الديبلوماسية القطرية الى هذه المجموعة الثلاثية عاملة على خط التنسيق بين هذه الدول والجمهورية الاسلامية الايرانية من اجل البحث في اكثر من ملف يعني العلاقات الثنائية بين طهران وهذه العواصم عدا العطب الاخير الذي أصاب علاقات طهران مع باريس نتيجة الاتهامات المتبادلة بالعمالة لمواطنين فرنسيين على وقع الاتهام الفرنسي كما الغربي لها بانتهاك حقوق الإنسان والاحتجاج على طريقة التعاطي مع الايرانيات بعد مقتل مهسا أميني والاحتجاجات التي أعقبت الحادثة.
وعليه لم تكن العلاقات الاميركية مع طهران افضل بكثير، فمسلسل اللقاءات لترميم الاتفاق النووي الايراني جمدت وإنطلقت عملية اخرى لمعالجة اوضاع موقوفين اميركيين في طهران تقودها قطر وعبر قنوات اخرى جانبية لتبادل الموقوفين بين طهران وواشنطن.
على هذه الصفائح الساخنة، التي لم تلجمها بعد اللقاءات الاقليمية الدولية، جاء “لقاء باريس” للبحث في آلية تساعد اللبنانيين على تجاوز الازمات فكان اجماع من الاطراف الخمسة على ان الخطوة الاولى مطلوبة في بيروت، وجاءت الجولة التي قام بها السفراء الخمسة لابلاغ اللبنانيين بهذا التوجه الجامع مع قطع الوعود بما يمكنهم القيام به بعد انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتعاطى بالطرق الدستورية مع هذه الحكومات والمؤسسات المانحة لتساعد اللبنانيين على تجاوز المطبات المالية والنقدية التي انعكست بوجوها السلبية على مختلف وجوه حياة اللبنانيين من دون استثناء والتي بلغت من السوء ما لا يتحمل مسؤوليته أي طرف خارجي مهما كانت قدراته قياسا على فشل المنظومة في مواجهة اي استحقاق داخلي وحجم الفساد المستشري الذي انعكس ضياعا لاموال اللبنانيين حتى الافلاس .
ولما انتهت الجولة الخماسية ظهر الحراك الفرنسي منفردا على الساحة اللبنانة، فجالت السفيرة آن غريو التي نالت تفويضا خماسيا بدأ منذ لحظة انتهاء “لقاء باريس” للتحرك وفق ما انتهى اليه اللقاء بغية تعميم مجموعة الملاحظات والنصائح على اللبنانيين فبدأت بجولة شملت حتى الان كلا من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية قبل ان تعود مرة ثانية الى عين التينة في زيارة منفردة فصلت بينها أربعة أيام عن اللقاء الخماسي الشامل.
وعليه طرح السؤال: ما الذي أرادته السفيرة الفرنسية من بري؟ ترد المصادر الديبلوماسية عبر “المركزية” لتؤكد ان القطيعة بين قصر الصنوبر وحارة حريك في الفترة الأخيرة متأثرة بالتوتر على خط باريس – طهران أحيت دور عين التينة لتكون قناة التواصل والمعبر الإجباري بينهما، وكان لا بد من استكشاف ما يمكن ان تنتهي اليه مواقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ومراميها من خطوات سلبية امنية وسياسية ليس أوانها. وهو الذي رفع السقف عاليا قبل الزيارة بساعات قليلة بوجه “لقاء باريس”. فربطه بين التهديدات لاميركا واسرائيل واحتمال تفجير المنطقة ان بلغت ما يتصل بـ “حقل كاريش” لم تكن ولن تكون مرتبطة بأي عقدة تعيق تنفيذ ما انتهت اليه عملية الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل والدور الذي تقوم به شركة “توتال” الفرنسية بالتعاون مع الشريكين القطري الجديد والايطالي القديم لبدء العملية الاستكشافية في “البلوك رقم 9” بقدر ما شكلت انتفاضة يخشى انها استهدفت مشروع “اللقاء الخماسي” وما انتهى اليه من دعوة اللبنانيين للقيام بالخطوات الاولى المطلوبة ما لم تنتهي الى ما اراده الحزب من المواجهة المفتوحة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية ومرشحه الثابت وان لم يكن قد ترجمه في صندوقة الاقتراع على مدى اثنتي عشرة جلسة انتخابية.
والى ان تستكمل السفيرة الفرنسية جولتها على القيادات المعنية وخصوصا على رؤساء الكتل النيابية التي تواصلها الأسبوع المقبل باتت تنتظر اجوبة وتفسيرات من أكثر من جهة ولا سيما من “الثنائي الشيعي”. فالديبلوماسيون يعرفون كل شاردة وواردة وقد ابلغوا حتى اليوم من التقوهم لأنهم لا يملكون سوى النصائح والاقتراحات العملية بالخطوات اللبنانية المطلوبة.