لماذا هذه الانتخابات مهمّة؟
آخر معركة في السياسة لمواجهة مشروع ابتلاع لبنان
لأنها تجري في مرحلة من أدق المراحل التي يمرّ بها لبنان. فبعدما انتقل لبنان من ضفة الى ضفة نتيجةً للتسوية الرئاسية سنة ٢٠١٦ التي أتت بمرشح “الحزب” و”محور الممانعة” الى سدّة الرئاسة، ثم تبع ذلك إقرار قانون انتخابات أسوأ من الخيار الرئاسي نفسه، كانت النتيجة أن تمكن “الحزب” مع حلفائه من السيطرة على أكثرية المقاعد النيابية، وبالتالي صار يتحكم بكل الحكومات التي انبثقت عن مجلس نواب ٢٠١٨ ولغاية الحكومة الأخيرة. كل ذلك تزامن مع انفجار “ثورة ١٧ تشرين”، ثم انهيار القطاع المصرفي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية المالية والاجتماعية في البلاد التي أشرت الى نهاية حقبة أساسية من تاريخ لبنان، وتآكل هويّته الوطنية التي تعرّضت وتتعرّض لقضم مستمرّ من المشروع الذي يقوده “الحزب” لتدمير أسس لبنان، توازناته، وثقافته، ودوره، وهويّته اللبنانية العربية الفريدة في الإقليم.
إن الانتخابات مهمّة ليس لأنها قضيّة مقاعد في مجلس النواب، بل لأنها تمثّل ربما آخر معركة في السياسة لمواجهة مشروع ابتلاع لبنان، وتحويله الى قاعدة غريبة على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وهي مناسبة بالحد الأدنى الديموقراطي المتوافر أقله خارج “الغيتو” الذي يسيطر عليه “الحزب” مباشرة، لمنع تمدّد هذا التنظيم المسلح الأمني العسكري الذي يناقض فكرة لبنان نفسه، باعتباره منظمة مخابراتية تدار انطلاقاً من أرضنا خدمة لأجندة السياسة الإيرانية في المنطقة. فالتخلف عن الذهاب الى صناديق الاقتراع، لمنع تسلل “مخبري” الممانعة وأحصنة طروادة في المجتمعات التي لا تزال تتمتع وإن بحدود بحرية الخيار، وبالقدرة على مواجهة الضغوط، لا يخدم سوى مشروع استكمال السيطرة على ما بقي من واحات حرية نسبية متناثرة على مساحة لبنان.
الانتخابات مهمة أيضاً لأنها ستكون بمثابة الامتحان الكبير للمواطن اللبناني المقيم في مساحات متحررة من الضغوط “القاهرة” التي تمارس في “الغيتو” المشار إليه، لأن يقول كلمته الرافضة للاستتباع، وللإرهاب والترهيب بقوة السلاح غير الشرعي، وذلك منعاً لسقوط لبنان النهائي.
إنها مهمة لكل لبنانية ولبناني يتوقون الى التغيير الحقيقي، من خلال الاقتراع للإصلاحيين السياديين. فخيار الإصلاح والسيادة معاً أساس في منع تسلل أحصنة طروادة من هنا وهناك. إنه أساس في هزيمة هذه القوى المعروفة نفسها التي تعشّش في البيئات الحرة حتى الآن، فيما تتآمر على الوطن، والكيان، والهويّة، والثقافة ونمط العيش. إنها قوى وشخصيات سيكشفها كل مواطن حرّ في بيئته ويعرّيها، فيحاصرها في صناديق الاقتراع بسلمية تامّة، لمنعها من أن تحوّل البيئات الحرّة الى “منابذ”، بعدما كاد لبنان كله يتحول منذ ٢٠١٦ ثم ٢٠١٨ الى “منبذ” في حجم وطن بأسره.
نعم إنها مناسبة للمواجهة السلمية الهادئة والصلبة بين من يريد تذويب لبنان، وتحويله الى سجن كبير، وبين من يسعى بتصميم لا يخبو خلف الحرية، وحماية الهوية الوطنية للكيان اللبناني.
إنها انتخابات مهمّة، لأن المعركة اليوم أكثر قساوة، وأصعب بأشواط من السابق، بعد نوبات الاستسلام والحسابات السلطوية التي أعمت كثيرين.