ما الذي ينتظرنا كلبنانيين في الأيام المقبلة؟
لبنان ليس فقيراً يا سادة. إنه يعاني، وباعتراف الجميع، من الفساد الذي طاله من جميع الجهات؛ فكلّ إصلاح أو محاولة إصلاح تصطدم بعقبات كثيرة تؤدّي إلى الفشل.
كنا نخاف السقوط والارتطام، وها نحن سقطنا وارتطمنا فماذا بعد؟
الكلّ يعترف بأن مشكلتنا الأساس هي الفساد، فهل هناك من يجرؤ على محاربته؟
الكلّ يعرف أن النفط والغاز هو سبيلنا للنجاة من الإفلاس الذي وصلنا إليه، فهل هناك اتفاق على كيفيّة استخراجه وتوزيعه؟ وهل ستسمح لنا الدول الكبرى باستخراجه؟
بعيداً من النفط والغاز الذي يلزمه وقت، وفي ظلّ الأزمات التي يمرّ بها العالم، ولن ننسى الحرب الروسية – الأوكرانيّة، وتوقّف العديد من الدول عن تصدير منتجاتها، وبناء على طلب الحكومة اللبنانية، أعدت شركة “ماكينزي أند كومباني” دراسة قطاعيّة حول الاقتصاد اللبناني، تضمّنت رؤية وخطّة متطوّرة تحدّد مستقبل لبنان الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة (2020-2025)، وتشمل ستة قطاعات أساسيّة: القطاع الزراعي، القطاع الصناعي، القطاع السياحي، قطاع خدمات المعرفة، قطاع الخدمات المالية، قطاع الانتشارح فأظهرت الخطة – أعتبرها من أهمّ الخطط التي يجب على أيّ حكومة أن تبدأ باعتمادها – قدرتها على المساهمة في زيادة الناتج المحليّ إلى 6 في المئة سنوياً حتى خمس سنوات، ليصل الناتج المحليّ إلى 8 مليارات دولار، ناهيك بآلاف الوظائف التي ستؤمّنها للشباب اللبنانيّ، والتي ستتجاوز الـ300 ألف وظيفة في مختلف القطاعات، إضافة إلى مساهمتها في خفض الدين العام والعجز في الموازنة العامة. لكنّ نجاح هذه الخطّة يتطلّب استقراراً أمنياً وسياسياً، يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل مجلس وزراء قادر على قيادة البلد وانتشاله من القاع الذي هو فيه.
خطة ماكنزي بدأت بالقطاع الزراعي والصناعي، لا سيما صناعة الدواء والصناعات التجميلية، ونحن نمتلك قدرات هائلة في هذا المجال.
فطقس لبنان المعتدل وتربته الغنيّة وموارده المائية الوافرة (معدّل سقوط الأمطار نسبياً يبلغ 2.2 مليار متر مكعّب سنويّاً)، وهو معدّل يفوق بكثير المعدّل في المنطقة، ممّا يجعل لبنان غنيّاً بالأنهار الرئيسية والموارد المائية التي يتميّز بها من باقي دول منطقة الشرق الأوسط، وهو يمتلك أراض زراعيّة خصبة، لا سيما سهل بعلبك، وسهل عكار وغيرهما من السهول الساحلية.
من هذا المنطلق، لا بدّ من خطة لتشجيع الزراعة، خصوصاً الزراعات الأساسية كالقمح الطريّ والشمندر السكريّ بهدف التخفيف من الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وفي السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أننا نمتلك مساحة بحريّة تعادل ضعف مساحة لبنان، ومع ذلك نستورد أكثر من 75 في المئة من الأسماك من الدول القريبة منّا كتركيا، مع العلم أنّ إنشاء مزارع الأسماك – على سبيل المثال – لا يراكم تكاليف كبيرة على الدولة، في ظل عروض كثيرة متاحة للبنان من منظّمات دولية كـ”الفاو”.
نحن أضعنا على الدّعم أكثر من 15 مليار دولار أميركي، وكان باستطاعتنا استخدامها في مجالات مختلفة، وبطريقة أفضل. فهل يعقل أننا نستجدي البنك الدولي للحصول على 3 مليارات دولار، فيما هذه المليارات تدخل إلى جيوب المحتكرين، ولم يستفد منها فقراء لبنان إلا بالفتات القليل؟
لبنان طائر الفينيق ومصدّر الحرف، هل يُعقل أن يصل إلى الهاوية؟!
من هنا، ونحن ننتظر الفرج من النفط والغاز علينا أن نبدأ باستغلال طاقاتنا البشرية في الزراعة والصناعة، وعدم الاعتماد بشكل مستمر على قطاع الخدمات. علينا أن نوجّه طاقاتنا المالية الموجودة في المصارف من أجل المشاريع الزراعية والصناعية والمعرفية وغيرها، وأن نتوقف عن التسليفات التي كانت تتمّ – للأسف – بعشوائيّة ومن أجل الربح فقط، من دون مراعاة وظيفة القروض التي تكمن في تمويل المشاريع والإنتاج وليس من أجل الترفيه.
في الختام، وبعدما وصلنا إلى القاع، لا بدّ لنا من أن ننهض؛ ولن ننهض إلا بسواعدنا وسواعد الشرفاء في هذا الوطن؛ ولن ننهض إلا بعد استئصال السرطان المتمثل بالفساد، لأنّ كلّ المحاولات ستبوء بالفشل من دون استئصال هذا المرض الخبيث.