مفاجأة صادمة قبل الانتخابات…. رفع الدعم عن بعض الأدوية السرطانيّة “توقيب مريب؟”

هذا الخبر الذي كنّا نتخوّف منه تحقّق بطريقة “مقنعة”، وستكون حتماً “بالتقسيط”، لن يأتِي قرار الرفع الكلّي دفعة واحدة، بل سيكون على أجزاء لامتصاص غضب المرضى والاستنكار. توقيت مريب، قبل 48 ساعة من الانتخابات، وبينما الكلّ منشغل في حماوتها، تمّ تمرير قرار رفع الدعم عن بعض الأدوية السرطانيّة بصمت… إنها لجريمة ملغومة.

منذ بداية انقطاع الأدوية وانخفاض دعمها تباعاً، كان متوقّعاً أن يُرفع الدعم الذي يتهرّب الجميع من تبنّيه برغم من معرفتهم بأنّنا واصلون إلى هذه المرحلة لا محالة. التأجيل والحلول “الترقيعيّة” كانت فقط لكسب الوقت حتى يتحضّر الناس تدريجيّاً. هذه الطريقة الممنهجة أثبتت نجاحها مع اللبنانيين، لأنّ التأقلم بات صفة تلازم الغالبية التي اكتفت بالاعتراض من دون أيّ تحرّك ضدّ السلطة في الفترة الأخيرة.

في إحدى التغريدات، يتحدّث حسين عن وجعه بالقول: “فاتورة علاج زوجتي ارتفع من ٧ ملايين إلى ٤٠ مليوناً للجلسة الواحدة. إذا رفع الدعم عن هذه الأدوية هنالك كارثة ستحلّ بالمواطن اللبنانيّ”، هذه الكارثة لن يتحمّل مسؤوليتها سوى المريض اللبناني في حين سيتلقّف المسؤولون وراء ذريعة انخفاض الدعم، وتعذّر بقاء المصرف المركزي على التمويل.

على سبيل المثال دواء Femara الذي كان سعره 70 ألف ليرة أصبح مليوناً و200 ألف، دواء Femaplex 2.5mg كان سعره 40 ألفاً وأصبح اليوم 698 ألف ليرة. أمّا دواء Imatinib elea الذي كان سعره 450 ألفاً بات اليوم نحو 8 ملايين ليرة.

كذلك الأمر بالنسبة إلى دواء ACEDA الذي كان سعره بين 150 إلى 200 ألف واليوم أصبح حوالى 4 مليون ليرة، واللائحة تطول للأدوية السرطانية التي يوجد لها بديل، في حين بقي الدعم الرئيسي يصب على الأدوية التي ليس لها بديل.

وبالتالي يبدو أن رفع الدعم طال بعض الأدوية السرطانية التي لديها جنيريك أو أكثر من ماركة، والابقاء على الأرخص منها في حين رُفع الدعم عن الأغلى لترشيد الدواء.

ويؤكّد نقيب الصيادلة جو سلوم “رفع الدعم عن بعض الأدوية السرطانية التي هي على شكل حبوب وليست أدوية الـinjectable في المستشفيات، ولها بدائل لبنانيّة. ولكن صحيح أنّ الرفع حصل على بعض الأدوية السرطانية، ونتمنّى عدم المسّ بالدعم على أيّ دواء متعلّق بمرضى السرطان. هذا الوضع يمسّنا كإنسان وكرامته ويكفي المريض ما يتحمّله من آلام وخوف، لاسيّما في الظروف الصعبة التي يعيشها نتيجة الأزمة المالية وانقطاع الأدوية”.

الـ35 مليون دولار المرصودة هي للأدوية الأكثر إلحاحاً، وبالتالي هي لا تكفي لتغطية كلفة كلّ الأدوية السرطانية. ووفق سلوم “كانت ميزانية وزارة الصحة نحو 110 ملايين دولار لتغطية كلفة الأدوية السرطانية التي توزّعها مجّاناً، وهذا المبلغ لا علاقة له بالأدوية التي تُباع في الصيدليات. ما يعني أنّ المبلغ المرصود لهذه الأدوية ليس كافياً لتغطية حاجات المرضى والسوق اللبناني”.

وبالرغم من تأكيد النقيب أنّ موضوع “أدوية السرطان خطّ أحمر ويتعلّق بالضمير الوطنيّ، ولن نسمح برفع الدعم عنها كليّاً”، إلّا أنّ الواقع يشير عكس ذلك. وما كان يُشاع عن استحالة رفع الدعم عن هذه الفئة من الأدوية يتبيّن أنّ القرار اتّخذ برفع الدعم عن بعضها، والخوف من رفعها كليّاً بعد الانتخابات.

وكان وزير الصحّة فراس الأبيض قد أوضح في جلسة حوار مع الصحافيين أنّ “الوزارة تعمل على ترشيد الأموال المرصودة لدعم الدواء والمستلزمات الطبية والتي تبلغ قيمتها خمسة وثلاثين مليون دولار شهريّاً، وفق اعتماد بعض التدابير التي من شأنها توفير السيولة لاستيراد الأدوية السرطانية الغالية الثمن، والاستمرار بدعمها بصورة كاملة، وضمان توافرها”.

ومع ذلك، بات واضحاً أنّ الجهود المبذولة مؤقّتة، وهذا يعني أنّ الأزمة إلى حلحلة جزئية قبل أن نعود إلى نقطة الصفر في انقطاع الأدوية وعدم توفّرها.

من الواضح أنّ هذه الأموال لا تكفي لتغطية الاحتياجات، وكما قال الوزير “نحن ناشدنا الجميع حلّ المسألة لأنّ تأمين الأموال ليس من مسؤولية وزارة الصحّة بل مسؤولية الجميع ولاسيّما المعنيين بالشؤون المالية في البلد”. ولكن في نهاية المطاف وحده المريض يدفع الثمن إمّا بدفع أدويته التي باتت توازي راتباً أو بالتخلّي عن العلاج.

كان رئيس الهيئة الوطنية الصحية “الصحة حقّ وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية يتوقّع هذه الخطوة، هو الذي حذّر منها مراراً في أحاديث سابقة له، برأيه “لا مفرّ من رفع الدعم الكلّي عن الأدوية وتوقّعت ذلك منذ بداية أزمة الدواء وانقطاعه نتيجة ابتزاز التجّار بالتواطؤ مع المصرف المركزي وعلامات استفهام على بعض دوائر وخفايا الوزارة. لم يكن هناك أيّ تصرّف مسؤول من اللجنة الصحية البرلمانية ولا نقابات الصيادلة سابقاً (في الماضي)، ولا وزارة الصحة آنذاك الذين تحوّلوا إلى مجرّد صدى في حين تدير مافيا الدواء اللعبة بكاملها”.

المرسوم الذي وقّعه وزير الصحة السابق حمد حسن بتخفيف الدعم، استكمل مع الوزير وكان أمراً متوقّعاً أن يُرفع الدعم بعد السنة الجديدة، وعليه يرى سكرية أنّ “ما يجري اليوم هو عملية ضغط وابتزاز لرفع الدعم كليّاً بنسبة 100 في المئة. نحن أمام فيلم مرعب لأنّ هذه الأدوية بديل غير متوفّر دائماً، وحتّى بعض البدائل ليس سهلاً الحديث به في غياب المختبر المركزي لمعرفة مدى جودة ونوعية تلك الأدوية”.

هذا الواقع هو الثمن الذي ندفعه اليوم بعد أداء وقرارات الوزارات السابقة، ويؤكّد سكرية أنّها “رفضت مرتين عروض خارجية ومنها العرض السويدي ببيع الأدوية من دولة إلى دولة تساعد على توفير 50 في المئة من كلفة الأسعار، إلّا أنّ هذه العروض رُفضت لأنّ مافيا الدواء تريد الإبقاء على هامش الأرباح من استيراد الأدوية”.

في حين يشرح رئيس جمعيّة “بربارة نّصار” هاني نصار أنّ “رفع الدعم عن أدوية مرضى السرطان بشكل كامل ليس صحيحاً، وهو خبر عار عن الصحّة ويستغلّه البعض لمصالح انتخابيّة. ما جرى أنّ وزارة الصحّة قرّرت رفع الدعم عن أدوية سرطانيّة لديها جنريك، حيث بقي الدعم على اثنين من دواء معيّن (هما الأرخص سعراً) بينما رُفع الدعم عن الأدوية الباقية للدواء نفسه. إذاً، الإستمرار بدعم الدوائين الأقل سعراً ضمن فئة الأدوية السرطانية المتدنية الكلفة.

ويتوجّه إلى المستشفيات التي بدأت برفع الأسعار بشكل جنونيّ قائلاً: “كنّا ندفع في بعض المستشفيات نحو 5-6 ملايين ليرة لنصف نهار مقابل تعليق المصل، بغضّ النظر عن نوع الدواء. اليوم تطلب بعض المستشفيات 12-15 مليوناً بذريعة رفع الدعم. لذلك لم يُرفع الدعم عن كلّ أدوية الأمراض السرطانية، في كلّ دواء للسرطان هناك جزء رُفع الدعم عنه وآخر ما زال مدعوماً.”
وإلى وزارة الصحّة، يناشد نصّار: ” لأنّ معظم الأدوية السرطانية لم تكن موجودة عندما كانت موجودة، وعليه نتمنّى أن يُسرّع هذا القرار باستيراد الأدوية إلى لبنان”.

هذه الخطوة ستطرح بديهيّاً السؤال الأخطر، كم عدد المرضى الّذين عليهم أن يتخلّوا عن فكرة علاجهم لأنّهم عاجزون عن دفع كلفتها؟ الإجرام يكشف عن وجهه والصحّة أولى ضحاياه!

زر الذهاب إلى الأعلى