من وحي القديسة رفقة حملايا للمبدع شوقي دلال كتب الروائي عمر سعيد
“إن آلية الابداع تكمن في التنبه إلى ما لا يثير الانتباه” ومنها سأنطلق في قراءتي لهذا العمل، كما لو أنها مغاليق معدنية سوداء أبعدها النور في خمس إضاءات.
ليس مستغربًا أن يجنح المبدع شوقي دلال في معظم أعماله خاصة الدينية منها إلى الأصفر.
وبغض النظر عن فلسفته الخاصة في إنتاج اللون، وبناء علاقته بما حوله من مكونات، الملفت أن دلال يكشف في هذا العمل عن أهمية، وأولوية اللون الأصفر في إيصال عمله هذا المعنون بـ: “من وحي القديسة رفقة – حملايا.
يبدو أن الطبيعة هي المغذي الأول لدلال جمالياً، ونفسيًا، ولونيًا.
ولأن حركة الطبيعة دائرية بفصولها، بحياتها، بموتها، بكل تفاصيلها ترتكز على الدائرة، بدت الدائرة أبرز الأشكال حضورًا عن سواها في هذا العمل.
فمن الدائرة النورانية التي احتلت خمسة مواقع في عمله، في الوسط المتيامن فوق رؤوس المؤمنين إلى التقوس الأصفر المحيط بدائرة توسطت أرضية العمل، إلى الدائرة التي تجلت فوق رأس الراهبة، مرورًا بالدائرة عن يسار العمل تلك التي احتجب بعضها باعمدة المكان، انتهاءً بالدائرة التي أحاطة برأس الصليب، يخبرنا دلال بأهمية الدائرة وفلسفتها في كل شيء من بناء الكون إلى الحياة فالإيمان.
وما انعطافات القباب وانحناءاتها في فضاء المكان إلا استجابة لحلول الدائرة النورانية في العمل.
فلم عمم الإنسان أبنية دور العبادة بقباب؟!
أظن أن المبدع شوقي دلال قد أجاب على هذا السؤال بلوحته هذه.
وما تداخل الأقواس في فضاء العمل وتقاطعها إلا دلالة على اتساع التشكيلات الدائرية التي تتمحور حولها رحلة الإيمان والإنسان.
كذلك أتى توزيع المؤمنين في كافة انحاء العمل اتباعًا للمكان، فقد شكل دلال الفعل الإيماني في عمله هذا من ثمانية عشر مؤمنًا، والتي حاصل جمعها تسعة، ومن المعروف رياضيًا أن الرقم تسعة هو الرقم الوحيد الدائري في علم الأرقام، إذ أن حاصل ضرب أي رقم بتسعة، فإن جمع ناتج أرقامه يفضي إلى تسعة.
فلم الرّقم تسعة؟! وهل أتى هذا التشكيل مصادفة أم عن دراية؟!
وهنا أقول إن المبدع وإن كان قد سلك طريق التجريب عند الخطوة الأولى من كل عمل، إلا أن هذا التجريب لا يعني بتاتًا مصادفة، وبناء عن غير دراية، ولو طلبنا من دلال إعادة رسم هذا العمل لأتى كما هو عليه.
ذلك لأن مستقر العمل فيه يسبق على كشفه، وهو لا يمكنه تقديم إبداعه إلى الناشر والمتلقي إن لم يستقر العمل فيه قبل الإمساك بالريشة والألوان.
بالتالي فالرقم تسعة هو نهاية الأعداد، ومستقرها ولا قيمة عددية بعده.
إذا هو الدائرة الحقيقة، وليس الرقم خمسة كما يتراءى لنا.
يبقى أن نشير إلى رمّانية العمل بكامله، ورمّانية اشتقاقًا من رمّان، فقد أتى هذا العمل رماني الألوان والتشكيل.
وما الألوان الرّمانية في عمل دلال هذا إلا انبعاثًا من رمزية اللحظة الإيمانية فيه عند الدخول في عوالم اللون، فاللحظة الإيمانية هي حالة اشتعال الحب الكوني في المبدع.
وأول ما يحترق من العود قشره، لذا كان المحيط الكامل للعمل بمثابة القشرة، التي تغطت بألوان داكنة وقد حافظ المبدع دلال على الضوء في جوهر العمل، دعوة منه إلى الغوص في أعماق التجربة، وتجنب التلهي في القشور.