نقص البنج بالمستشفيات: الاستسلام للموت أو “فريش دولار”
تضطر المستشفيات إلى تأجيل عمليات جراحية لعدم توفر البنج
أعادت تحذيرات نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، المتعلقة بنقص مخزون البنج في المستشفيات، التذكير بحجم الكوارث التي تسيطر على حياة اللبناني يومياً. من أزمة القمح، إلى الوقود، وصولاً إلى غياب المستلزمات الصحية الأساسية التي تمس الأمن الصحي للمواطن، باتت هكذا تنتقل الأزمات الواحدة تلو الأخرى.
قصص كثيرة تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي، عن معاناة المرضى للحصول على الحد الأدنى من العناية الطبية، في ظل غياب الكادر الطبي من جهة، ونقص الأدوية والمستلزمات الأساسية من جهة ثانية. فعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة عن عدد الأطباء والممرضين الذين فروا من لبنان، إلا أن تداعيات الأزمة الاقتصادية، خصوصاً على القطاع الصحي، ساهمت في إبعاد الكادر عن هذه المهنة، وفق ما نقله نقيب الأطباء الدكتور شرف أبو شرف لـ”المدن”، وهو ما فاقم من أزمة المرضى.
أزمة صحية
انتظرت كريمة الحسن، أكثر من ساعتين في إحدى مستشفيات بيروت، حتى تمكن الطبيب المناوب في غرفة الطوارئ من معاينتها. كانت الحسن تعاني من كسور في يدها، جراء حادث تعرضت له. لم تحتج إلى عملية جراحية، بل اقتضى الأمر تجبير يدها. تقول لـ”المدن”: حذرني الطبيب من أن إجراء عملية جراحية يتطلب شراء بعض المفاصل والأدوات الطبية من الخارج، لأنها غير متوفرة في لبنان، وهو أمر مكلف جداً، وفي أحيان كثيرة لا تقوم الوزارة بتغطية التكاليف”.
الحسن، ليست مسجلة على أي جهة ضامنة، وهنا مشكلة أخرى يتعرض لها اللبناني، خصوصاً الفئات غير الخاضعة لأي جهة ضامنة طبياً.
قصة الحسن قد تكون أفضل من قصص الكثير من اللبنانيين، إذ أن العديد من المرضى يتم تأجيل عملياتهم الجراحية، أو استسلموا لأوجاعهم وأمراضهم، حسب الدكتور شرف أبو شرف. يقول لـ”المدن”: “لايمكن للأطباء إجراء عمليات جراحية من دون وجود جميع المستلزمات الطبية الأساسية، سواء المستلزمات العلاجية كالأدوية، أو الأدوات الأولية للعمل الجراحي كالمقاصات، واللصقات، وحتى النقص في مادة “البنج” التي تعد ضرورية للتخدير قبل العمليات الجراحية، وغيرها من الأدوات”. ويضيف: “في ظل وجود النقص في هذه المستلزمات، يعمد الأطباء إلى تأخير بعض العمليات بعض الوقت”. وفق أبو شرف، فإن الأزمة اليوم باتت خطيرة، بعدما وصلت حدتها إلى المخدر أو البنج، وهو العنصر الأساسي للعمل الطبي، “بسبب غياب الاعتمادات المالية لشراء الكميات المطلوبة”. ووفق أبو شرف، فإن المستشفيات في الوقت الراهن “تستخدم الكميات المتوفرة لديها، أي من مخزونها لإجراء أي عملية طارئة”.
واقع صعب
أزمة المخدر هذه تفتح المجال واسعاً، لتسليط الضوء على واقع القطاع الصحي والطبي في لبنان. إذ تعاني المستشفيات من نقص في العديد من المستلزمات الطبية، خصوصاً تلك المتعلقة بالإسعافات الأولية (الضمامات الطبية، أدوية التعقيم، وغيرها). وفق نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون، توقف العديد من موزعي الأدوية عن تسليم الكميات المتفق عليها، بسبب عدم قدرة الشركات على الاستيراد من الخارج. يقول هارون لـ”المدن”: هذا ما تسبب بالنقص الحاد في المستلزمات الطبية وبدء فقدان جزء منها، ومن أبرزها البنج الموضعي، إذ انخفض المخزون في المستشفيات بشكل كبير، فيما لايزال هناك كميات مقبولة من البنج العام”.
ويضيف: “هذا الواقع فرض على المستشفيات تأجيل الكثير من العمليات، واستخدام ما تبقى من مخزونها للحالات الطارئة”، مؤكداً أن إجمالي كمية البنج المتوفرة سوف تنتهي بأحسن الأحوال بعد أسبوع. ووفق هارون، فإن غياب الدعم المالي من مصرف إلى لبنان، هو المسؤول عن وقوع هذه الأزمة. وفي أفضل الأحوال، وإن تمكن مصرف لبنان من تأمين الاعتمادات، فإن الحصول على البنج يستغرق ما لا يقل عن 10 أيام، لأسباب لوجستية تتعلق بالاستيراد.
سوق سوداء
ولكن لا تقف حدود أزمة العمليات الجراحية عند هذا الحد، تواجه ابتسام بدر الدين مشكلة حقيقية تتعلق بعملية جراحية لتركيب مفصل اصطناعي في قدمها. منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تسعى مع الجهات المعنية لتأمين مستلزمات العملية الجراحية، وأبرزها المفاصل الاصطناعية، ومسامير التثبيت.
جرت العادة، أن تقوم المستشفيات بتأمين هذه الأدوات للعمل الجراحي، ولكن انهيار سعر العملة، دفع تجار المستلزمات الطبية إلى التوقف عن استيرادها، ما أدى إلى استنفاد الكميات المخزنة خلال الفترة الماضية، وبالتالي دخل المرضى في مواجهة غير محسومة النتائج مع المستشفيات من جهة، ومع وزارة الصحة من جهة ثانية.
هذا الواقع فرض سوقاً سوداء لبيع المستلزمات الطبية الأساسية، حسبما كشفه مصدر طبي لـ”المدن”، إذ أخفى بعض التجار أدوات ومستلزمات صحية طبية، ويتم بيعها بـ”الدولار الفريش”.
لا يختلف واقع القطاع الصحي في لبنان عن باقي القطاعات التي تتحكم بها “مافيات السوق السوداء”، لكن عندما يتعلق الأمر بصحة المواطن، فلا بد للمسؤولين من وضع استراتيجية طبية لمساعدة المرضى، على الأقل حتى لا يدفعوا ثمن الفساد على أبواب المستشفيات.